ونلاحظ أن الآمدي قد ظهرت شهرته. وارتفع صيته في القرن الرابع والدولة الإسلامية واسعة الرقعة والثقافة العربية بعيدة المدى. قد هضمت شتى الثقافات وأحالتها غذاء عقليًّا سائغًا، على أن الآمدي قد درس وبحث، وثقَّف وهذب نفسه بهذه الثقافة العربية في روحها. المتنوعة في ألوانها.

والآمدي كما نلاحظ في الموازنة ذو عقل حصيف، وفكر ناضج، وثقافة واسعة وهو لا يسير وراء العلماء والأدباء وإنما يظل في الطليعة مجددًا لا مقلدًا، ومتبوعًا لا تابعًا، سواء في اللغة أم الأدب أم النقد. ونلاحظ أن الآمدي من الذين يؤثرون في الأدب الروح الشعرية المطبوعة: التي تميل إلى إيثار اللفظ والأسلوب. فهو لا يرى الشعر إلا صحة تأليف وعذوبة لفظ وجمال نظم، وهو لا يرى هذا الرأي في الشعر وحده، بل يجعل البلاغة كذلك مقصورة على جمال اللفظ والأسلوب وحدهما وموافقتهما للنهج العربي في صحة التأليف وجودته. أما المعاني وسموّها. والحكمة الإنسانية وروعتها. والخيال وإغراقه، فذلك الترف الزائد عن الحاجة، والذي إن ألمَّ به الشاعر أو الخطيب، فقد زاد في حسن صنعته وبهائها وإلا فالصنعة باقية قائمة بنفسها ومستغنية عما سواها.

ونلاحظ أن الآمدي في هذا الاتجاه الأدبي تابع للجاحظ وأضرابه ممن يؤثرون الروح الشعرية المطبوعة على المعاني الشعرية المبتدعة ويقولون عليك أن تجتذب السوقي والوحشي ولا تجعل همَّك في تهذيب الألفاظ، وشغلك في التخلص إلى غرائب المعاني، وفي الاقتصاد بلاغ1.

على أن الآمدي يخالف النهج الذي يسير عليه قدامة الذي ينصر المعنى على اللفظ، وينادي بضرورة العناية به، ويقول البلاغة في شقَّين: معنى مبتدع، ونظم ساحر، وهو لذلك يجعل مادة الشعر المعاني2.

أما صاحبنا الآمدي فقد جعل مادَّته اللفظ، وهذا الاتجاه الأدبي الذي سار عليه الآمدي، كان سببًا في إيثاره البحتري وتفضيله والتسامي بشعره، ووصوله إلى الذروة والقمة على غيره من الشعراء، لذلك نلاحظ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015