سخا آن سخاء نفس الرجل بما في يده يصون به عرضه عن ذم اللئام وتركه ما في أيدي الناس يغلق عنه باب الملام وهو إن جمعهما فقد وهب أشرف أخلاق الكرام وتواطأ على مدحه الخاص والعام ويقال في مدح مثل هذا فلان بماله متبرع وعن مال غيره متورع ويقال مراتب العطاء ثلاث سخاء وجود وإيثار فالسخاء إعطاء الأقل وإمساك الأكثر والجود إعطاء الأكثر وإمساك الأقل والإيثار أعطاء الكل من غير إمساك لشيء وهذه أشرف الرتب وأعلاها وأحقها بالمدح وأولاها فإن إيثار المرء غيره على نفسه أفضل من إيثار نفسه على غيره وكفى بهذه الخلة شرفاً مدح الله تعالى أهلها في قوله ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون وقالوا الجواد من لم يكن جوده لدفع الأعداء وطلب الجزاء كما قال عبد الله بن جعفر أمطر معروفك فإن أصاب الكرام كانوا له أهلاً وإن أصاب اللئام كنت له أهلاً فمما ورد عن ذوي الأفضال في الحث على العطاء والنوال ما ذكر عن عبد الملك بن مروان أنه كان يقول لبنيه يا بني أمية إن المؤمن الكريم يتقي عرضه بماله فلا تبخلوا إذا شئتم فإن خير المال ما أفاد حمداً أو نفى ذماً ولا يقولن أحدكم أبدأ بمن تعول فإنما الناس عيال الله تكفل بأرزاقهم فمن وسع وسع عليه ومن ضيق ضيق عليه ثم تلا قوله تعالى وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين فيا لله للعجب ما أشد ما بابن قول هذا الخليفة فعله وخالف سخاؤه بخله وكيف قسم خليقته بين الايجاب والسلب وخص لسانه بالمدح وقلبه بالثلب وقال زهير بن جذيمة لولده عليكم باصطناع المعروف واكتسابه وتلذذوا بطيب نسيمه ورضابه وارضوا مودات الرجال من أثمانه فرب رجل قد صفر من ماله فعاش هو وعقبه في الذكر الجميل وقال شاعر في مثل هذا

إذا كنت ذا حظ من المال فاكتسب ... به الأجر وارفع ذكر أهل المقابر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015