فقد ضل من أخرج أفعال العباد عن مخلوقات الله – تعالى -، كما ضل من قابلهم، وقال: إن العباد مجبورون على أعمالهم، فلا اختيار لهم ولا قدرة.

والحق وسط بين هاتين الضلالتين، وهو أن الله – تعالى – خلق العباد، وخلق لهم قدرة واختياراً بهما يفعلون ما يريدون فعله، ويتركون ما يريدون تركه.

وسبب الضلال في هذه المسألة: عدم التفريق بين خلق الله ومخلوقه.

((فخلق الله: صفته التي يخلق بها الخلق، وأما مخلوقه فهو أثر الصفة، وهو مفعوله، وخلق الله – تعالى – لمخلوقاته، ليس هو نفس مخلوقاته، بل خلقه فعله المتصف به، ومخلوقاته مفعولاته التي يفعلها ويوجدها إذا شاء، وأفعال العباد مخلوقه له تعالى كسائر المخلوقات، ومن جملة مفعولاته، وليست هي نفس فعل الرب، بل هي نفس فعل العبد، فالكذب والظلم، ونحوهما من القبائح، يتصف بها من كانت فعلاً له، قائمة به، ولا يتصف بها من كانت مخلوقة له؛ لأنه – تعالى – جعلها صفة لغيره، كما أنه – تعالى – لا يتصف بما خلقه في غيره، من الطعوم، والألوان، والروائح، والأشكال، وغير ذلك.

فإذا خلق الإنسان أبيض، أو أسود، لم يكن ذلك اللون وصفاً له، وكذلك إذا خلق هذا الشيء مُرّاً، أو حلواً، أو على صورة قبيحة مذمومة، لم يكن تعالى متصفاً بذلك، بل المتصف بها من قامت به وفعلها (?) .

وقال أيضاً: ((القرآن دل على أن مفعولات العباد، الخارجه عن أنفسهم، مصنوعة لهم، وما كان مصنوعاً لهم، فهو من فعلهم، ومقدورهم بالضرورة، والاتفاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015