ثانياً: أن الفعل يسكَّن مع تاء الفاعل، (ضربْتُ)، وسبق تعليله عند الجمهور بأن التسكين هنا لدفع كراهة توالي أربع متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، هما كلمتان، العرب تكره أربع متحركات في كلمة واحدة، لا بد أن يكون فيها ساكن، لا بد أن يكون الثاني أو الثالث ساكن، وحينئذٍ إذا قيل: قمت وضربت، ضرَبْتُ الأصل ضَرَبَتُ، كيف العرب تكره أربع متحركات في كلمة واحدة وليس عندنا كلمة واحدة أربع متحركات؟، ضرب هذه كلمة، والتاء كلمة مستقلة، لما اتصلت بها وكانت لازمة لها من جهة المعنى اعتبرت التاء كأنها حرف من ضرب فكأنها أربعة أحرف، والعرب تكره توالي المتحركات فيما هو أربعة أحرف، هذا دليل على أنهم نزلوا الفاعل كجزء من الكلمة فاعتبر حرفاً وهو التاء هنا ومثله الاسم الظاهر، هذا دليل ثاني على أن الفاعل كجزء من الفعل، أنه يسكن له آخر الماضي لاتصاله به، وإنما سكن لدفع توالي أربع متحركات فيما هو كلمة واحدة في الأصل، وفيما هو كالكلمة الواحدة، وهو الفعل مع فاعله، هذا تعليل وله وزنه عندهم.

ثالثاً: في الأمثلة الخمسة وهذا أوضح، الأمثلة الخمسة نقول: يفعلان، تفعلان، يفعلون، تفعلون، تفعلين. هذه تعرب بثبوت النون، الزيدان يضربان، يضربان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، أين النون؟ بعد الألف، ما حقيقة الإعراب؟ أثر ظاهر أو مقدر يجلبه العامل في آخر الكلمة، قلنا: هذا بيان لمحل الإعراب.

يضربان، أين ظهر الإعراب؟ بعد الألف، وهذه الألف فاعل، إذاً: نُزِّلَ الفاعل مُنَزَّلةَ الكلمة فظهر بعده ثبوت النون، هذا يدل على أن (يضربا) هي كلمتان في الحقيقة، لكن جعلت الثانية مُنَزَّلةً من الأولى مُنَزَّلةَ الجزء من كله، ولذلك ظهر الإعراب بعد الألف، (يضربان)، وهذا واضح بين أن الفاعل كالجزء من فعله، بهذه الأدلة الثلاثة قال: وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ، والتعليل: أن الفعل وفاعله كجزئي كلمة، ولا يجوز تقديم عجز الكلمة على صدرها، هذا مذهب جماهير النحاة من البصريين ومن وافقهم من الكوفيين، وحينئذٍ تقول: قام زيد، قام الزيدان، قام الزيدون، لا بد أن يكون بعده، وأشار إلى ذلك بقوله: وَبَعْدَ فِعْلٍ، فإن تقدم حينئذٍ خرج عن كونه فاعلاً، لا نقول: التركيب لا يصح، لا. يصح، لكن لا يصح على كونه فاعلاً، وأما على جعله مبتدأً وما بعده خبر فلا بأس، زيد قام، قام زيد، لو قال قائل: قام زيد، قام: فعل ماضي وزيد فاعل، أنا أريد أن أقدم، أقول: زيد قام، زيد: فاعل مقدم على عامله، وقام: فعل مؤخر، يجوز أو لا يجوز؟ لماذا؟ لأن شرط الفعل والفاعل أن يكون العامل متقدماً على الفاعل، فإن تقدم المعمول –الفاعل- على عامله خرج عن كونه فاعلاً، صار مبتدأً.

وَبَعْدَ فِعْلٍ فَاعِلٌ: إذاً وجوب تأخير الفاعل عن عامله، لماذا؟ لأن الفاعل كجزء من الكلمة، حينئذٍ نُزِّلَ مُنَزَّلةَ الجزء فصار كالصدر والعجز، والعجز لا يتقدم على صدره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015