لِاسْتِغْنَائِهِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْوَاقِفِ وَالْوَقْفِ (وَلَا لِلْعَبْدِ) وَإِلَّا لَجَازَ بَيْعُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ (فَيُخْرِجُهُ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ الْوَقْفَ عَنْ الْمِلْكِ (بِنَفْسِ الْقَوْلِ) بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ (وَيُجِيزُ الشُّيُوعَ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ تَتِمَّةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لِلْحِيَازَةِ وَتَمَامُهَا فِيمَا يُقْسَمُ بِالْقِسْمَةِ وَأَصْلُ الْقَبْضِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَكَذَا تَتِمَّتُهُ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ كَالْإِعْتَاقِ وَالشُّيُوعُ لَا يَمْنَعُ الْإِعْتَاقَ فَلَا يَمْنَعُ الْوَقْفَ أَيْضًا (وَبِهِ يُفْتِي مَشَايِخُ الْعِرَاقِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَدَقَةٌ) «لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَصَدَّقْ بِأَصْلِهَا لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ» (فَيَشْتَرِطُ) أَيْ مُحَمَّدٌ (التَّسْلِيمَ) أَيْ تَسْلِيمَ الْوَاقِفِ الْوَقْفَ إلَى الْمُتَوَلِّي (وَالْقَبْضَ) أَيْ قَبْضَ الْمُتَوَلِّي الْوَقْفَ كَمَا فِي الصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ دُونَ الْمُوصَى بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَزُولُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ بَلْ بِتَسْلِيمِهِ وَقَبْضِ الْفَقِيرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَحَقَّقُ قَصْدًا لِمَا مَرَّ إلَّا أَنَّ مَا يَثْبُتُ لَهُ تَعَالَى مِنْ الْحَقِّ فِي الصَّدَقَةِ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ التَّسْلِيمِ إلَى الْعَبْدِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الصَّدَقَاتِ وَالزَّكَاةِ، وَلَوْ تَمَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَصَارَ يَدُهُ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ وَالتَّبَرُّعُ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ (وَيَمْنَعُ الشُّيُوعَ فِيمَا قَبِلَ الْقِسْمَةَ) لِأَنَّ أَصْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ شَرْطٌ فَكَذَا مَا يَتِمُّ بِهِ الْقَبْضُ وَتَمَامُهُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا يَصِحُّ مَعَ الشُّيُوعِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ نِصْفَ الْحَمَّامِ جَازَ (كَالصَّدَقَةِ) الْمُنَفَّذَةِ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ الْوَقْفَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَتِمُّ فِي مُشَاعٍ يُقْسَمُ كَمَا إذَا قَالَ تَصَدَّقْتُ بِنِصْفِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْعَشَرَةِ عَلَى هَذَا الْفَقِيرِ فَإِنَّهَا لَا تَتِمُّ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ ذَلِكَ الْفَقِيرُ وَتَتِمُّ فِي مُشَاعٍ لَا يُقْسَمُ كَنِصْفِ الْحَمَّامِ (وَبِهِ يُفْتِي مَشَايِخُ بُخَارَى) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَتَصَدَّقَا بِهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ أَوْ عَلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْبِرِّ الَّتِي يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَدَفَعَهَا إلَى قَيِّمٍ يَقُومُ عَلَيْهَا كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ عَلَى قَوْلِهِ هُوَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ لَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَهَاهُنَا لَمْ يُوجَدْ الشُّيُوعُ عِنْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَدَّقَا بِالْأَرْضِ جُمْلَةً، وَلَا وَقْتَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُمَا سَلَّمَا الْأَرْضَ جُمْلَةً، وَلَوْ تَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِ هَذِهِ الْأَرْضِ مُشَاعًا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً وَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِوَقْفِهِ مُتَوَلِّيًا عَلَى حِدَةٍ لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الشُّيُوعِ وَقْتَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاشَرَ عَقْدًا عَلَى حِدَةٍ، وَتَمَكَّنَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَوَلِّيَيْنِ قَبَضَ نِصْفًا شَائِعًا، فَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمُتَوَلِّيهِ اقْبِضْ نَصِيبِي مَعَ نَصِيبِ صَاحِبِي جَازَ، وَلَوْ تَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِ الْأَرْضِ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ، ثُمَّ تَصَدَّقَ الْآخَرُ بِنِصْفِهَا كَذَلِكَ وَجَعَلَا لِذَلِكَ قَيِّمًا وَاحِدًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْعَقْدِ لَمْ يُوجَدْ وَقْتَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ قَبَضَ الْأَرْضَ جُمْلَةً وَهُمَا سَلَّمَا إلَيْهِ جُمْلَةً، وَكَذَا لَوْ جَعَلَا التَّوْلِيَةَ إلَى رَجُلَيْنِ مَعًا؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَمُتَوَلٍّ وَاحِدٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ اخْتَلَفَتْ جِهَةُ الْوَقْفِ جَازَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَاقِفُ وَاحِدًا فَجَعَلَ نِصْفَ الْأَرْضِ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ مُشَاعًا وَالنِّصْفَ الْآخَرَ عَلَى أَمْرٍ آخَرَ جَازَ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ الْوَقْفُ فِي كُلِّهَا؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ يَجُوزُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ وَغَيْرَ مَقْسُومٍ، وَبَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا أَفْتَوْا بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ يُفْتَى.

(وَإِذَا لَزِمَ) الْوَقْفُ (وَتَمَّ لَا يُمْلَكُ) أَيْ لَا يَكُونُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِهِ (وَلَا يُمَلَّكُ) أَيْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَدَقَةٌ فَيَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ إلَى الْمُتَوَلِّي) أَقُولُ يَعْنِي فِي وَقْفِ غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَفِي الْمَسْجِدِ تَسْلِيمُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ (قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ صَدَقَةٌ فَيَشْتَرِطُ التَّسْلِيمَ وَالْقَبْضَ وَيَمْنَعُ الشُّيُوعَ فِيمَا قَبِلَ الْقِسْمَةَ) أَقُولُ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ وَقَفَتْ دَارَهَا فِي مَرَضِهَا عَلَى ثَلَاثِ بَنَاتٍ لَهَا وَآخِرَهَا لِلْفُقَرَاءِ وَلَيْسَ لَهَا مِلْكٌ غَيْرَ الدَّارِ وَلَا وَارِثَ لَهَا غَيْرُهُنَّ قَالُوا ثُلُثُ الدَّارِ وَقْفٌ وَالثُّلُثَانِ لَهُنَّ يَصْنَعْنَ مَا شِئْنَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ.

(قَوْلُهُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى إلَى قَوْلِهِ وَغَيْرَ مَقْسُومٍ) أَقُولُ هَكَذَا هُوَ فِي الْخَانِيَّةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015