فَيَتَصَدَّقُ عَنْهُ دَائِمًا، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ جَازَ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَبَقِيَ الْبَاقِي إلَى أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ آخَرُ أَوْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ وَلَمْ يُجِيزُوا قَسَّمَ الْغَلَّةَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ثُلُثُهَا لِلْوَقْفِ وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ، وَفِي قَوْلِهِ أَوْ بِالْمَوْتِ إذَا عَلَّقَ بِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مُجَرَّدَ التَّعْلِيقِ بِالْمَوْتِ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْمِلْكِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْمَوْتِ بَعْدَ التَّعْلِيقِ لِيُفِيدَهُ، وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ (أَوْ بِقَوْلِهِ وَقَفْتُهَا فِي حَيَاتِي وَبَعْدَ مَمَاتِي مُؤَبَّدًا) فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا دَامَ حَيًّا كَانَ هَذَا نَذْرًا بِالتَّصَدُّقِ بِالْغَلَّةِ فَكَانَ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى مَاتَ جَازَ مِنْ الثُّلُثِ وَيَكُونُ سَبِيلُهُ سَبِيلَ مَنْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لِإِنْسَانٍ فَإِنَّ الْخِدْمَةَ تَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ وَالرَّقَبَةُ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ حَتَّى إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَصِيرُ الْعَبْدُ مِيرَاثًا لِوَرَثَةِ الْمَالِكِ إلَّا أَنَّ فِي الْوَقْفِ لَا يُتَصَوَّرُ انْقِطَاعُ الْمُوصَى لَهُمْ فَتَتَأَبَّدُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ، وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ (أَوْ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ وَإِفْرَازِهِ بِطَرِيقِهِ) شَرَطَ الْإِفْرَازَ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: 18] أَيْ مُخْتَصَّةٌ بِهِ تَعَالَى فَلَا يَخْلُصُ لَهُ تَعَالَى إلَّا بِهِ (وَالْإِذْنِ لِلنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَصَلَاةِ جَمَاعَةٍ وَقِيلَ) لَا حَاجَةَ إلَى صَلَاةِ جَمَاعَةٍ (بَلْ كَفَى وَاحِدٌ) إذَا صَلَّى فِيهِ شَرَطَ الْإِذْنَ لَهُمْ بِهَا؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ شَرْطٌ لِصَيْرُورَتِهِ مَسْجِدًا عِنْدَ هُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ نَوْعٍ تَسْلِيمٌ يَلِيقُ بِهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ وَهَذَا الْوَجْهُ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ مَعَ إفَادَتِهِمَا اللُّزُومَ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَاقِفِ وَوَارِثِهِ يُفِيدَانِ خُرُوجَ الْوَقْفِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُفِيدُ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ لُزُومَ الْوَقْفِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَخُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ أَيْضًا وَلُزُومَهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ لَا يُفِيدُ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ مَا دَامَ حَيًّا وَلَا لُزُومَهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ لِجَوَازِ رُجُوعِهِ بَلْ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، ثُمَّ أَنَّهُمَا بَعْدَمَا خَالَفَا الْإِمَامَ فِي عَدَمِ زَوَالِ مِلْكِ الْوَاقِفِ، وَقَالَا بِزَوَالِهِ اخْتَلَفَا فِيمَا يَتِمُّ بِهِ الْوَقْفُ فَذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَمْ يَتِمَّ) عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لَمْ يَلْزَمْ يَعْنِي بَعْدَمَا لَزِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَتِمَّ (إلَّا بِذِكْرِ مَصْرِفٍ مُؤَبَّدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَدَّقَ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ الْغَلَّةِ وَذَا قَدْ يَكُونُ مُؤَقَّتًا وَقَدْ يَكُونُ مُؤَبَّدًا فَمُطْلَقُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ (فَلَوْ) (وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ) مَثَلًا بِأَنْ قَالَ وَقَفْتُهُ عَلَى أَوْلَادِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ (وَانْقَرَضُوا) أَيْ الْأَوْلَادُ (عَادَ) الْوَقْفُ إلَى الْمَالِكِ (عِنْدَهُ) لِكَوْنِهِ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ (وَلَوْ) (وَقَّتَ) بِأَنْ قَالَ وَقَفْتُهُ إلَى عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا (بَطَلَ) اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ كَالتَّوْقِيتِ فِي الْبَيْعِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَتِمُّ بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ التَّأْبِيدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَارَةً يَكُونُ بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا وَأُخْرَى بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ لَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ فَيَصِحُّ فِي الْفَصْلَيْنِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ (وَإِذَا) (انْقَطَعَ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كَالْأَوْلَادِ مَثَلًا (صُرِفَ) الْوَقْفُ عِنْدَهُ (إلَى الْفُقَرَاءِ) فَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّأْبِيدَ شَرْطٌ اتِّفَاقًا لَكِنْ ذِكْرُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَقَفْتُ أَوْ تَصَدَّقْتُ يَقْتَضِي الْإِزَالَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ يَقْتَضِي التَّأْبِيدَ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ كَالْإِعْتَاقِ كَمَا سَيَأْتِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُشْتَرَطُ ذِكْرُهُ لِمَا مَرَّ.

(وَهُوَ) أَيْ الْوَقْفُ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ (إسْقَاطٌ) أَيْ شُرِعَ لِإِسْقَاطِ مِلْكِ الْوَاقِفِ عَنْ الْعَيْنِ (كَالْإِعْتَاقِ) فَإِنَّهُ إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْمَوْلَى (لَا تَمْلِيكٌ لِلَّهِ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ. . . إلَخْ) أَقُولُ هُوَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي سَوَاءٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا يُفِيدَانِ الْخُرُوجَ وَاللُّزُومَ بِمَوْتِ الْوَاقِفِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ إذْ لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِمَا عَلَى الْمَوْتِ وَيُفِيدُ أَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ حَيًّا (قَوْلُهُ يَعْنِي بَعْدَ مَا لَزِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَتِمَّ إلَّا بِذِكْرِ مَصْرِفٍ مُؤَبَّدٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) أَقُولُ فِيهِ تَأَمُّلٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ شَامِلٌ لِوَقْفِ الْمَسْجِدِ وَلَا مُخَالَفَةَ لِمُحَمَّدٍ فِي لُزُومِهِ عَلَى الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِلْإِمَامِ فِي لُزُومِهِ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ، وَيُزِيلُ أَبُو يُوسُفَ مِلْكَ الْبَانِي عَمَّا بَنَاهُ مَسْجِدًا بِقَوْلِهِ جَعَلْتُهُ مَسْجِدًا وَشَرَطَا إفْرَازَهُ عَنْ مِلْكِهِ وَصَلَاةَ وَاحِدٍ فِيهِ فِي رِوَايَةٍ أَوْ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ فِيهِ بِإِذْنِهِ فِي أُخْرَى اهـ.

(قَوْلُهُ فَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَانْقَرَضُوا عَادَ الْوَقْفُ) أَقُولُ لَا تَخْتَصُّ هَذِهِ الصُّورَةُ بِمُحَمَّدٍ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ وَالثَّانِيَ لَا يَصِحُّ (قَوْلُهُ وَلَوْ وَقَّتَ بَطَلَ اتِّفَاقًا) أَقُولُ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَقَفَ دَارِهِ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ وَقْتًا مَعْلُومًا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ جَازَ الْوَقْفُ وَيَكُونُ وَقْفًا أَبَدًا (قَوْلُهُ وَهُوَ تَارَةً يَكُونُ بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ يُتَوَهَّمُ انْقِطَاعُهَا وَأُخْرَى بِالصَّرْفِ إلَى جِهَةٍ لَا يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ فَيَصِحُّ فِي الْفَصْلَيْنِ) أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَى وَلَدِي، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ وَالثَّانِيَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ قَوْلِهِ مَوْقُوفَةٌ يَنْصَرِفُ إلَى الْفُقَرَاءِ عُرْفًا فَإِذَا ذَكَرَ الْوَلَدَ صَارَ مُقَيَّدًا فَلَا يَبْقَى الْعُرْفُ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015