ذلك فمن استهزأ بالله، أو بكتابه أو برسوله، أو بدينه، كفر ولو هازلاً لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعًا.

قال: وقول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ... } 1.

ش: يقول تعالى مخاطبًا لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} ، أي: سألت المنافقين الذين تكلموا بكلمة الكفر استهزاء {لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} 2، أي: يعتذرون بأنهم لم يقصدوا الاستهزاء والتكذيب، إنما قصدوا الخوض في الحديث واللعب: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} 3، لم يعبأ باعتذارهم إما لأنهم كانوا كاذبين فيه، وإما لأن الاستهزاء على وجه الخوض واللعب لا يكون صاحبه معذورًا، وعلى التقديرين فهذا عذر باطل، فإنهم أخطئوا موقع الاستهزاء.

وهل يجتمع الإيمان بالله، وكتابه، ورسوله، والاستهزاء بذلك في قلب؟! بل ذلك عين الكفر فلذلك كان الجواب مع ما قبله {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} 4.

قال شيخ الإسلام: فقد أمره أن يقول: كفرتم بعد إيمانكم. وقول من يقول: إنهم قد كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولاً بقلوبهم لا يصح، لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر. فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانكم فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإن أريد: إنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان، فهم لم يظهروا ذلك إلا لخوضهم، وهم مع خوضهم ما زالوا هكذا، بل لما نافقوا وحذروا {أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ} ، [التّوبة، من الآية: 64] ، تبين ما في قلوبهم من النفاق وتكلموا بالاستهزاء، أي: صاروا كافرين بعد إيمانهم. ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين إلى أن قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} 5، فاعترفوا ولهذا قيل: {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ} 6، فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرًا، بل ظنوا أن ذلك ليس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015