أهل الاصطفاء في قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} 1. وهذا لا ينفي أن يؤاخذ أحدهم بظلمه لنفسه بذنب إذا لم يتب، كما قال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} 2 وقد سأل أبو بكر رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: " يا رسول الله، وأينا لم يعمل سوءًا؟ فقال: " يا أبا بكر ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ أليس تصيبك اللأواء؟ فذلك ما تجزون به " 3. فبيَّن أن المؤمن الذي إذا مات دخل الجنة قد يجزى بسيئاته في الدنيا بالمصائب التي تصيبه، قال: فمن سلم من أجناس الظلم الثلاثة، يعني: الظلم الذي هو الشرك، وظلم العباد، وظلمه لنفسه بما دون الشرك، كان له الأمن التام والاهتداء التام، ومن لم يسلم من ظلم نفسه كان له الأمن

والاهتداء مطلقًا، بمعنى أنه لابد أن يدخل الجنة، كما وعد بذلك في الآية الأخرى، وقد هداه الله إلى الصراط المستقيم الذي تكون عاقبته فيه إلى الجنة، ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء، بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه، ليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " إنما هو الشرك " أن من لم يشرك الشرك الأكبر يكون له الأمن التام والاهتداء التام، فإن أحاديثه الكثيرة مع نصوص القرآن تبين أن أهل الكبائر معرضون للخوف، لم يحصل لهم الأمن التام والاهتداء التام الذي يكونون به مهتدين إلى الصراط المستقيم؛ صراط الذين أنعم الله عليهم من غير عذاب يحصل لهم، بل معهم أصل الاهتداء إلى هذا الصراط ومعهم أصل نعمة الله عليهم، ولا بد لهم من دخول الجنة. وقوله: "إنما هو الشرك"، إن أراد به الأكبر فمقصوده أن من لم يكن من أهله، فهو آمن مما وعد به المشركون من عذاب الدنيا والآخرة، وهو مهتد إلى ذلك، وإن كان مراده جنس الشرك فيقال: ظلم العبد نفسه، كبخله - لحب المال - ببعض الواجب وهو شرك أصغر، وحبه ما يبغض الله حتى يقدم هواه على محبة الله شرك أصغر، ونحو ذلك، فهذا فاته من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015