أحكامهم على القرآن من خلالها.

وما دام الأمر قد استقر بين المسلمين على أن الترجمة لا تعتبر قرآناً وإنما يقصد بها نقل معاني القرآن بحيث يتسنى للإنسانية الإطلاع عليها والاهتداء بتعاليمها فما علينا إلا أن نعالج المسألة من ناحية موضوعية فنورد ما لها وما عليها في ضوء القواعد الأصولية العامة والمبادئ الشرعية الحاكمة.

والترجمة المقصودة هنا هي نقل لمعاني وأحكام القرآن إلى لغة أخرى أشبه ما يكون الأمر بالتفسير ... كل ما هناك أن التفسير يهتم بإبراز الأحكام بأنواعها بينما تسعى الترجمة لإبراز الأحكام والمعاني تبعا لنقل روح وأهداف وإيقاع العبارة القرآنية ما أمكن1.

بالرغم من هذا فقد انبرى كما قدمنا فريق من المسلمين وقالوا بعدم جواز ترجمة القرآن وساقوا الحجج الآتية لتأييد ما ذهبوا إليه.

1- إن ترجمة القرآن تعتبر بدعة خطيرة، أما إنها بدعة فلأن الأولين لم يقدموا على مثل هذا العمل وهم أقدر ما يكون عليه وهي في المقام الثاني خطيرة لما يترتب عليها من مفاسد كهجران اللغة العربية من قبل المسلمين غير العرب بعد اكتفائهم بالترجمة في تعلم القرآن ودراسته وتلاوته.

2- إن إحجام الصحابة ومن بعدهم من المسلمين عن ترجمة القرآن أدى إلى انتشار اللغة العربية فتحقق من أجل ذلك ما لا يحصى من الفوائد بالنسبة للإسلام والمسلمين.

3- أما عن واجب تبليغ الدعوة للناس كافة فيقول أصحاب هذا الرأي: "الواجب هو تبليغ مجمل الدعوة.. فلا ينبغي كل ما جاء بالقرآن.. بل يجب على تلك الأمم أن تشرع في تعلم العربية فور إسلامها حتى تستكمل دينها".

4- ثم قالوا: "إن عدم جواز الترجمة مبني أيضاً على قصور الترجمة عن تحمل المعاني الكثيرة التي أودعها الله القرآن بنظم عربي معجز.. فلا يستطيع كائن ما أن يحيط بهذه المعاني أولاً وأن ينقلها في المقام الثاني بحيث يحافظ على إعجازها اللفظي والمعنوي.." أو كما يقول الأستاذ إبراهيم أنيس: "وفي الحق أنه لا يكاد المرء ينتهي من تصفح هذه الكتب وأمثالها حتى يحس في قرارة نفسه أن الوقوف على دلالات الألفاظ القرآنية أمر عسير المنال دونه صعوبات جمة، فلا يكاد يسلم المترجم لها من الزلل أو القصور في إبراز تلك الدلالات، وتصويرها بالقدر الذي يقارب ما هي عليه في منبتها القرآني من جمال وروعة وإعجاز لأهل اللسن والفصاحة في كل زمان ومكان"2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015