وترتب هذا الجدل وذاك على ما سبق أن أشرنا إليه من أن كتبة السبئيين وغيرهم من كتبة الدول الجنوبيةلم يسجلوا الأحداث بتاريخ ثابت إلا في عهود متأخرة، ولم يلتزموا بتسجيل سنوات عهود حكامهم إلا في عهود متأخرة أيضًا، وفي حالات قليلة. ولم يتركوا قوائم ترتب أسماء حكامهم ومدد حكمهم واحد بعد الآخر. وترتب على هذا كله عمل الآخر، أو إذا ورد اسم حاكم وأبيه. بل إن الاعتماد على هذين الأساسين لا يخلو من مخاطرة في بعض أحواله، فقد يكمل أحدهم عمل جده وليس عمل أبيه، وقد يحكم بعد عمه وليس بعد أبيه، وقد تتشابه أسماء الحكام وآبائهم في فترات متباعدة. كما قد يحكم ابن مع أبيه في وقت واحد، أو أخ مع أخيه في آن واحد. وهكذا لم يجد الباحثون بدًا من ترتيب أسماء الحكام التى أتت الآثار بها ترتيبًا اجتهاديًا. وتقدير عهودهم تقديرًا اصطلاحيًا، على أساس افتراض ما بين 15 أو 20 أو 25 عامًا لكل منهم، وعلى أفضل الفروض بالاستعانة بما ورد عن بعضهم عن طريق المصادفة في نصوص خارجية مؤرخة عاصرت عهودهم.

على أنه مهما يكن من أمر بداية عهود المكريين وعددهم. فإن أهم ما ينسب إلى عهودهم هي آثار معابدهم الباقية، وبداية مشروع سد مأرب. وعملهم على التوسع الخارجي في المناطق الجنوبية المجاورة لهم.

اتخذ المكربون عاصمتهم الأولى في مدينة توافرت لها بعض المقومات الضرورية للعواصم السياسية، وهي مدينة صرواح. فقد نشأت في واد خصيب شبه دائري كفل لها مطالبها الزراعية وبعض مواردها الاقتصادية، وأحاطت بها بعض المرتفعات فكفلت لها الحصانة الطبيعية. وتوسط موقع صرواح بين مدينتي مأرب وصنعاء الشهيرتين، وتقوم على أطلالها الآن كل من قرية القصر وقرية الخريبة، ويظهر على سطح الأرض من عمائرها القديمة أطلال قليلة، بينما بقيت أغلب آثارها تغطيها الأنقاض حتى الآن.

ويبدو أن الصبغة الدينية التى استعان المكربون بها في تدعيم حكمهم جعلتهم يولون اهتمامًا كبيرًا لمعابد معبوداتهم. إظهارًا لتقواهم الشخصية. وتأكيدًا لصلتهم الروحية بهذه المعبودات. وعملًا على كسب ولاء رجال الكهنوت وبعض المدنيين أيضًا عن طريق تخصيص المرتبات العينية لهم من عائدات هذه المعابد.

وينسب إلى عهود المكربين البدء في إقامة أو توسيع عدة معابد قديمة نتخير منها أربعة جرى الكشف عن بعض أجزائها، وهي: معبد في صرواح، وآخر في صرواح أرحب (أوحجر أرحب). وثالث في أوام، ورابع في المساجد. وكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015