- كانت قضية اختيار خليفة منذ بدايتها قرشية محضة، لقد كان النبي من قريش، وما كان يمكن استخلافه إلا من قريش أيضًا، لقد اختصرت قريش قضية الحكم، وحصرتها برجالها، وهذه القضية هي استمرار العمل بمقولة: "الأئمة من قريش" التي طرحت يوم مبايعة أبي بكر على الرغم من تغير الظروف العامة، لكن يبدو أنها أضحت عرفًا لم يطعن به أحد من ذلك العصر؛ لأنه ينسجم مع روحه انسجامًا تامًا، لذلك استبعد الأنصار على الرغم من مآثرهم واستحقاقهم.

ونظم عمر طريقة عمل المجلس قبل وفاته، فحدد مدة الاختيار بثلاثة أيام، فإذا انقسم مجلس الشوى إلى ثلاث مجموعات من شخصين، فلا بد من استئناف التشاور، وإذا كان هناك أكثرية، فلا بد لهم من اتباعها، أما إذا انقسم المجتمعون إلى مجموعتين متساويتين من ثلاثة أشخاص، تكون الأولوية للمجموعة التي يكون فيها عبد الرحمن بن عوف، وهذا يعني إعطاء هذا الصحابي دورًا مفصليًا وبارزًا، إلا أن التطورات التي رافقت انعقاد مجلس الشورى في بدايته، على الأقل، لا تعطيه هذا الدور، إذ بدأ كأحد أعضاء المجلس الآخرين، ولم يبرز إلا عندما انسحب من ميدان التنافس كما سنرى، الأمر الذي يرجح أن الروايات الخاصة بذلك شيعية الهوى تحمله مسئولية تقديم عثمان1، وأمر بقتل كل من يتخلف عن مبايعة من يتم اختياره للخلافة خشية الفتنة، وحث المؤتمرين على سرعة إنجاز اختيارهم، وأمر أيضًا أن يتولى صهيب الرومي إمامة الصلاة طيلة ثلاثة أيام، وشكل فصيلة من الأنصار للمحافظة على الأمن، وحماية أعضاء المجلس2.

توقع عمر أن يتجه الاختيار في مجلس الشورى لصالح عثمان أو علي، وكلاهما من سلالة عبد مناف وختن النبي، بل إنه وجه المسلمين في المدينة نحوهما بصورة غير مباشرة، إذ بدا للوهلة الأولى أن التنافس سيجري بينهما، وأن باقي أعضاء مجلس الشورى ناخبين فحسب.

فقد انتقد عثمان لحبه أهله وقومه، وخشي إن هو تولى الخلافة أن يحمل بني أبي معيط على رقاب الناس "ولو فعلها لقتلوه"، وهو تأكيد هدف إلى إيجاد غطاء شرعي لعملية قتل عثمان التي تمت فيما بعد، ووصف عليًا بالرجل الذي فيه دعابة، وبطانة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015