كل ما تقدم من الكلام على بيت الشيخ صفي الدين من التقرير والتنكيت والتكميل فهو جار في هذا البيت.

وبيت الشيخ شرف الدين المقري قوله:

قالوا مرضت فهل عادوا فقلت نعم ... لكن من العهد والإيفاء بالذممِ

1 @أنوار الربيع في أنواع البديع

تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني.

حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر.

الجزء الثاني

الإبهام.

تأليف السيد علي صدر الدين معصوم المدني. حققه وترجم لشعرائه شاكر هادي شاكر. الجزء الثاني الإبهام.

قالوا وقد أبهموا إذ بان مكتتمي ... في حبهم بان لكن أي مكتتم.

الإبهام- بالباء الموحدة، وسماه بعضهم: التوجيه، ومحتمل الضدين وهو عبارة عن أن يقول المتكلم كلاما محتملا لمعنيين متضادين، لا يتميز أحدهما عن الآخر، كالمديح والهجاء وغيرهما، ولا يأتي بعده ما يميز المراد منها، قصد للإبهام.

وزاد بعضهم: وينبغي أن يكون المراد، أنه إذا جرد عن القرائن ولم ينظر إلى القائل والمقول فيه، كان احتماله للمعنيين على السوية، كما سيلوح في أكثر الأمثلة.

ومثاله في القرآن العظيم قوله تعالى عن اليهود "من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين".

قال صاحب الكشاف: قوله: غير مسمع، حال من المخاطب، أي اسمع وأنت غير مسمع، وهو قول ذو وجهين، يحتمل الذم، أي اسمع منا مدعوا عليك، بلا سمعت، لأنه لو أجيبت دعوتهم عليه لم يسمع، فكان أصم غير مسمع، قالوا ذلك اتكالا على أن قولهم: لا سمعت، دعوة مستجابة أو اسمع غير مجاب على ما تدعوا إليه، ومعناه غير مسمع جوابا يوافقك فكأنك لا تسمع شيئاً، أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه، فسمعك عنه ناب.

ويجوز على هذا أن يكون غير مسمع، مفعول اسمع، أي اسمع كلاما غير مسمع مكروها. من قولك: اسمع فلان فلانا، إذا سبه. وكذلك قولهم: راعنا، يحتمل راعنا نكلمك، أي ارقبنا وانتظرنا، ويحتمل شبه كلمة عبرانية وسريانية كانوا يتسابون بها وهي راعينا، فكانوا سخرية بالدين وهزوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكلمونه بكلام محتمل، ينوون به الشتيمة والإهانة، ويظهرون به التوقير والإكرام.

فإن قلت: كيف جاءوا بالقول المحتمل ذو الوجهين، بعدما صرحوا وقالوا: سمعنا وعصينا؟ قلت: جميع الكفرة كانوا يواجهونه بالكفر والعصيان، ولا يواجهونه بالسب ودعاء السوء، ويجوز أن يقولوه فيما بينهم، ويجوز أن لا ينطقوا بذلك، ولكنهم لما لم يؤمنوا به جعلوا كأنهم نطقوا به. انتهى.

ومثاله من الحديث قوله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد ذكر عنده شريح بن الحضرمي وهو من الصابة: ذاك رجل لا يتوسد القرآن. فيحتمل وجهين ذكرهما تغلب عن ابن الأعرابي، أحدهما المدح وهو أنه لأصنام الليل حتى يتوسد القرآن معه فيكون مدحا. والثاني الذم، وهو أنه ينام ولا يتوسده معه أي لا يحفظه، فيكون ذما.

ومثله قول عبد الملك بن مروان، وقد ذكر ذاكر عنده عمر بن الخطاب: اقصر من ذكره فهو طعن على الأئمة وحسرة على الأمة. فيحتمل الذم، وهو أن ذكره وعده من الأئمة فهو طعن عليهم بمشاركته لهم في الإمامة، وحسرة على الأمة المأمورين بمتابعته. ويحتمل المدح وهو أن كل من قاس سيرة أمراء الزمان بسيرته طعن عليهم، وكل من فكر ونظر فيما كان عليه من التشقيف وترك الدنيا، تحسر على ما فات من الأمة.

ومثاله من الشعر قول بعضهم، وقيل أنه بشار، يروى أنه فصل قباء عند خياط أعور اسمه عمرو أو زيد كما في تحرير التحبير لابن أبي الإصبع، فقال الخياط على سبيل العبث به: سآتيك به لا تدري أقباء هو أم دواج، فقال له: إن فعلت ذلك لأنظمن فيك بيتا لا يعلم أحد ممن سمعه لك أم عليك.

ففعل الخياط فقال هو:

خاط لي عمرو قباء ... ليت عينيه سواء.

قلت شعرا ليس يدري ... أمديح أم هجاء.

فإن قيل أنه قصد التساوي بين عينيه في العمى فقد صح، وإن قيل أنه قصد التساوي بينهما في الإبصار صح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015