ومعصم يكاد يجري رقة ... وإنما يعصمه سواره

وقال عبد العزيز بن عبد الرزاق في معناه:

قالت وقد صرت كطيف الخيال ... كيف ترى فعل الدمى بالرجال

وسددت سهما إلى مقتلي ... تقول هل فيك لدفع النصال

رقيقة الجسم فلولا الذي ... يمسكه من قسوة القلب سال

وما ألطف قول شرف الدين الحلاوي يصف قدحا من أبيات:

رق فلولا الأكف تمسكه ... سال مع الخمر حين ترشفه

وأبدع من ذلك كله وألطف قول شيخنا العلامة محمد بن علي الشامي:

شرقت معاطفه بأمواه الصبا ... وجرى عليه بضاضة ونعيم

قد كاد تشربه العيون لطافة ... لكن سيف لحاظه مسموم

وقوله أيضاً في معناه:

رقت شمائله ورق أديمه ... فيكاد تشربه عيون الناظر

ويعجبني جدا قول بعضهم في الخمر:

كادت تطير وقد طرنا بها ... لولا الشباك التي صيغت من الحبب

وما أعجب قول بعضهم في الخمر:

أما الصبوح فإنه فرض ... فإلى من يكحل جفنك الغمض

هذا الصباح بدت بشائره ... ولخيله في ليله ركض

والليل قد شابت ذوائبه ... وعذراه بالفجر مبيض

فانهض إلى حمراء صافية ... قد كاد يشرب بعضها بعض

يستقيكها من كفه رشأ ... لدن القوام مهفهف بض

سيان خمرته وريقته ... كلتاهما عنبية محض

تدمي اللواحظ خده نظرا ... للحظ في وجناته عض

من ضمه فتح السرور له ... بابا وكان لعيشه الخفض

باهت وقد أبدى محاسنه ... قمر السماء بحسنه الأرض

يسعى بها كالشمس مشرقة ... للعين عن إشراقها غض

والكأس إذ تهوي بها يده ... نجم بجنح الليل منقض

بات الندامى لا حراك بهم ... إلا كما يتحرك النبض

في روضة يهدي لنا شقها ... أرج الحبائب زهرها الغض

ختم الحيا أزهارها فغدا ... بيد النسيم لختمها فض

فاشرب على حافتها طربا ... وأنهض لها ما أمكن النهض

لا تنكرن لهوى على كبري ... فعلي من عصر الصبا قرض

أعرى العذول بلومه شغفي ... فكأنما إبرامه نقض

خالفته والرأي مختلف ... شأني الوداد وشأنه البغض

مهلا فليس على الفتى دنس ... في الحب ما لم يدنس العرض

وبديع قول ابن حمديس القلي في وصف فرس:

يجري ولمع البرق في آثاره ... من كثرة الكبوات غير مفيق

ويكاد يخرج سرعة من ظله ... لو كان يرغب في فراق رفيق

ومثله قول شمس الدولة عبدان:

أبت الحوافر أن يمس بها الثرى ... فكأنه في جريه متعلق

فكأن أربعة تراهن طرفه ... فتكاد تسبقه إلى ما يرمق

ولمؤيد الدين الطفرائي يصف خيلا:

سبقت حوافرها النواظر فاستوى ... سبق إلى غاياتها وشفون

لولا ترائي الغايتين لأقسم ال ... راؤن أن حراكها تسكين

وتكاد تشبهها البروق لو أنها ... لم تعتلقها أأعين وظنون

وقال معاوية بن مرداس:

يكاد في شأوه لولا أسكنه ... لو طار ذو حافر من قبله طارا

ومثله قول الآخر:

لو طار ذو حافر قبلها ... لطارت ولكنه لم يطر

ومنه قول البحتري:

لو أن مشتاقا تكلف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر

ومنه أخذ المتنبي قوله:

لولا تعقل الشجر التي قابلتها ... مدت محيية إليك الأغصنا

إلا أن بيت البحتري أحسن وأمكن.

حدث أحمد البلاذري المؤرخ قال: كنت من جلساء المستعين, فقصده الشعراء فقال: لست أقبل إلا ممن قال: مثل قول البحتري في المتوكل (لو أن مشتاقا - البيت) فرجعت إلى داري, وأتيته وقلت: قد قلت فيك أحسن مما قاله البحتري, فقال: هاته, فأنشدته:

ولو أن برد المصطفى إذ لبسته ... يظن لظن البرد أنك صاحبه

وقال وقد أعطيته ولبسته ... نعم هذه أعطافه ومناكبه

فقال ارجع إلى منزلك وأفعل ما آمرك به. فرجعت, فبعث إلي بسبعة آلاف دينار وقال: أدخر هذه للحوادث بعدي, ولك على الجراية والكفاية ما دمت حيا. انتهى.

قلت: ولعمري لقد أساء الأدب هذا الشاعر مع المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم, وسيجازيه الله تعالى على قلة أدبه. وهذا من الغلو القبيح المردود.

ومنه قول التمار الواسطي وقيل غيره:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015