هذا البيت يحتمل المدح وهو الظاهر، فيكون المراد: أنهم يجودون على الفقير حتى يعود مساويا للغني، ويحتمل الذم، فيكون المراد: أنهم ينهبون الغني ويسلبونه غناه حتى يعود مساويا للفقير، غير أن قوله: فلازم باب قصدهم، يعين المعنى الأول، وهو إرادة المدح فيخرج عن نوع التوجيه الذي قصده. وابن حجة فاته إدراك المعنى الثاني، وهو إرادة الذم حتى قال: (وأما المعنى الآخر فما وجدت له قرينة صالحة تدلني عليه، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه) .

وبيت بديعية الشيخ عز الدين قوله يخاطب العذول:

نزهت طرفي وسمعي في محاسنه ... وعنك أن تقصد التوجيه في الكلم

هذا البيت لا أرى فيه للتوجيه وجها، لا على تفسير الشيخ صفي الدين ولا على تفسير السكاكي والخطيب. أما الأول - فظاهر إذ ليس في مفرداته ولا جمله توجيه إلى أسماء متلائمة من أسماء الأعلام، ولا قواعد العلوم ونحوها. وأما على الثاني - فلعدم احتماله معنيين متضادين لا يتميز أحدهما عن الآخر. وقول ابن حجة: أن الكلمة التي اقتضت اشتراك المعنيين قوله: نزهت، فإنه قال: أنه نزه طرفه في محاسن محبوبه، وكأنه التفت إلى العذول وقال له: وعنك. إن أراد به بيان التوجيه، فليس بشيء، لأن هذا ليس بتوجيه قطعا، وإن أراد به بيان استعمال قوله (نزهت) في معنييه، فمسلم على أن قوله: (نزهت طرفي وسمعي في محاسنه) مأخوذ من استعمالهم التنزه في الخروج إلى البساتين والخضر والرياض، وقد نص صاحب القاموس على أن هذا الاستعمال غلط قبيح، وقال في الصحاح: قال ابن السكيت: ومما يضعه الناس في قولهم: خرجنا نتنزه، إذا خرجوا إلى البساتين، قال: وإنما التنزه: التباعد عن المياه والأرياف، ومنه قيل: فلان يتنزه عن الأقذار، وينزه نفسه عنها، أي يباعدها عنها. انتهى.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

وأسود الخال في نعمان وجنته ... لي منذر منه بالتوجيه للعدم

التوجيه فيه بأسماء الأعلام هي: الأسود والنعمان والمنذر، والأسود أخو النعمان بن المنذر وكان من ملوك العرب.

وبيت بديعية الشيخ عبد القادر الطبري قوله:

قاد الجنائب أغراء موجهة ... لا صرف فيها ولا نصب لمنجزم

التوجيه في هذا البيت بقواعد النحو وهي: الإغراء والصرف والنصب والجزم، ولكن انظر، ما معنى قوله: ولا نصب لمنجزم؟.

وبيت بديعيتي هو قولي:

رفعت حالي إليهم إذ خفضت وقد ... نصبت طرفي إلى توجيه رسلهم

التوجيه في هذا البيت بقواعد النحو أيضاً وهي: الرفع والحال والخفض والنصب.

وبيت بديعية الشيخ شرف الدين المقري قوله:

لا تطعني هند فالأنساب واحدة ... ونحن إن نفترق نرجع إلى حكم

الشيخ شرف الدين فارق الجماعة في هذا النوع فقال في شرح بديعيته (التوجيه كالتورية، وأكثر البديعيين يجعلها شيئا واحدا، وفرق الصفي الحلي وغيره بينهما بفروق لا تكاد تظهر، والظاهر أن التورية منها ما يحتاج إلى توجيه ألفاظ قبلها ترشح الكلام للتورية، ومنها ما لا يحتاج، فيكون هذا الاسم خاصا لما يحتاج كالنوع منها واسم التورية كالجنس لها. والترشيح ومعنى البيت على هذا: أن هندا طعنت في نسبه، وفخرت بقومها عليه (فأخبرها) أن نسبه ونسبها واحد وأنهما إن افترقا في الآباء القريبة فكلهم يرجعون إلى حكم من سعد العشيرة، ولكن لفظة حكم مشتركة، فذكر الطعن والنسب فيه يوجهها إلى اسم القبيلة، وذكر الافتراق يوجهها إلى الحكم الفاصل بين الخصومة) . هذا نصه، وعليه مؤاخذات من وجوه: أحدها - أن قوله: أكثر البديعيين يجعلهما شيئا واحدا ليس بصحيح، بل الأكثر على أن كلا منهما غير الآخر كما يشهد به استقراء كتبهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015