المقدمة

الحمد لله الرحيم الودود، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فلا يخفى على أحد الواقع المرير الذي تعيشه أمتنا الإسلامية في هذا العصر، فلقد أصبحت بلا قيمة ولا اعتبار، تكالب عليها الجميع، وصارت عبرة بين الأمم في الذل والهوان والتخلف والظلام.

هذا الواقع الأليم دفع المخلصين من أبنائها إلى البحث عن سبل لنهضتها وخروجها من النفق المظلم الذي تسير فيه، وتعالت الأصوات من هنا وهناك تنادي بضرورة وجود مشروع للنهضة تلتف الأمة كلها حوله وتتبناه.

تعددت الطروحات والمقترحات حول نقطة البداية لمشروع النهضة، فمن قائل: نأخذ بأسباب التقدم العلمي كما أخذ بها الغرب فنصير مثلهم، ومن قائل: بل وجودنا كقوة اقتصادية تفرض نفسها على الجميع هو الحل الأمثل لعودة مجدنا مرة أخرى ..

هذه وغيرها أمثلة للرؤى التي تُطرح اليوم، بيد أن أصحاب تلك الأطروحات -على أهميتها- قد غفلوا عن حقيقة مهمة, وهي أن الأمة الإسلامية ليست كبقية الأمم عند الله عز وجل، لذا فإن سبيل نهضتها لابد أن يختلف عن سبيل نهضة الأمم الأخرى، فما يصلح لغيرنا ليس بالضرورة يصلح لنا أو يصل بنا إلى ما وصلوا إليه.

ومما يؤكد هذا المعنى أن الله - سبحانه وتعالى- قد ربط بين تقدمنا وعلونا كأمة إسلامية وبين إيماننا ومدى ارتباطنا به. {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]

وليس معنى هذا أن نترك الاجتهاد في تحصيل الأسباب المادية، بل المقصد هو إعادة ترتيب الأولويات وعدم مقارنتنا بالأمم الأخرى في كل شيء.

فمشروع النهضة الذي ينبغي أن نتبناه جميعًا لابد أن يكون هدفه الأول إعادة الأمة إلى مكانتها عند الله، ليعيد لها سبحانه دورها القيادي بين الأمم، وكيف لا، ومفاتيح التمكين بيده وحده سبحانه {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف:137].

وبيده وحده مقاليد النصر والسيادة {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5].

مع الأخذ في الاعتبار أن الاجتهاد في تحصيل الأسباب المادية له دور كبير في نهضة أي أمة، ومع أهميته الكبرى إلا أنه لا يأتي في المقدمة بالنسبة لنا.

ولأن كيان الأمة يتشكل من مجموع الأفراد، فإن نقطة البداية وحجر الزاوية في النهضة لابد أن ينطلق من صلاح الفرد لتنصلح بذلك الأمة, فيرضى الله عنها ويعيد لها مجدها السليب.

فإن قلت: وما الوسيلة التي يمكنها أن تقوم بذلك فتسع جميع أفراد الأمة من شرقها إلى غربها، وبكل مستوياتها، ولا تكون في الوقت نفسه - موضع اختلاف - بل موضع إجماع من الجميع، سلفهم وخلفهم؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015