عن ذاتها حين فقد أولئك الأخوة، فالأمثال الصادرة عنه تثبت خطأ تربوياً في معاملة الأبناء، ولهذا كان من أول ما جهر به بيهس لأمه حين قالت له ((ما جاءني بك من بين إخوتك)) ؟ أن قال لها: ((لو خيرك القوم لاخترت)) ، لقد كان محروماً من عطف الأم ولذلك قال الناس: ((ثكل أرامها ولدا)) فبيهس هو ضحية تلك التفرقة، وحمقه ليس إلا تعبيراً عن نقمته، فهو من ثم يخفي عقلاً وحكمة، لابد أن تظهرهما الأيام، وقد فعلت، ولكن بثمن غالٍ.

إن هذا التفاوت هو الذي يجعل شخصاً مثل الحارث بن ظالم مضرب المثل في الغدر ومرب المثل في الوفاء. كذلك لو أن أمرءاً حاول أن يستخرج صورة منسجمة العناصر للقمان لأعياه ذلك: والأمر المحوري في قصص لقمان أنه كان صاحب نم، ولكن هذا لم يمنعه من أن يصبح صاحب إبل أو أن يحاول ذلك، رغم أنه نحر إبل أهل زوجته انتقاماً لأنها أطعمته لحم جزور؛ وتتخذ المنافسة بينه وبين ابنه لقيم من أخته بعداً جديداً يضع لقمان في الظل، مع أنه في قصص أخرى رجل جبار يفرض الأتاوات، ويجيز المتاجر، وتبلغ قوته في شيخوخته حداً عجيباً فهو قائف يعرف اثر الذرة الأنثى من الذرة الذكر في الصفا الأملس في ليلة ظلمة ومطر، ويبلغ من حدة بصره في شيخوخته أنه يعرف الشعرة البيضاء بين صريح اللبن والرغوة، وفي قدرته على الأكل يتغذى جزوراً ويتعشى آخر ويأكل بين ذلك جذعة من الأبل - كل ذلك بعد أن أدركه الهرم - فكيف كان في شبابه؟ إن هذا الرجل العملاق تصوره إحدى القصص عاجزاً - في شبابه - عن رفع دلو من بئر. هذا هو لقمان في قصص المفضل، ولو درسنا القصص الأخرى التي لم يوردها المفضل لزاد التناقض والاضطراب في عناصر تلك الشخصية، ولوجدنا مثلاً أن ذلك الرجل الذي يتمتع بطاقة جنسية فائقة، يجد زوجه تخونه مع رجل آخر؛ وهذا وإن كان يراد به المغالاة في تصوير نفسية المرآة، فإنه لا يمنح لقمان التفوق الذي تريد أن ترسمه الأمثال التي تصور جبروته وتفرده. وهكذا يشعر دارس أمثال لقمان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015