الأحياء إذا شقيت بك كثرت الأموات، وتلك الكثرة تؤدّى إلى القلّة؛ إمّا لأنّ الأحياء يقلّون بمن يموت منهم، وإمّا لأنّ الميّت يقلّ فى نفسه.
وقال أبو زكريّا: قول أبى الفتح: شقيت بك يريد بفقدك، يحيل معنى البيت؛ لأنّ الأحياء شقوا به؛ لأنه قتلهم.
وأقول: إنّ الصحيح قول أبى الفتح، إنه أراد: شقيت بفقدك، وبهذا فسّره علىّ بن عيسى الرّبعىّ. قال: ذهب إلى أنه نعمة على الأحياء، وفقده (?) شقاء لهم.
وممّا حذفت منه هذه اللفظة التى هى «الفقد» قول المرقّش:
ليس على طول الحياة ندم … ومن وراء المرء ما يعلم (?)
أراد: ليس على فقد طول الحياة؛ لا بدّ من تقدير هذا. وأظهر هذه اللفظة فى هذا المعنى بعينه-وهو كون حياته نعمة، وكون موته شقاء ونقمة-الشاعر فى قوله:
لعمرك ما الرّزيّة فقد مال … ولا شاة تموت ولا بعير (?)
ولكنّ الرّزيّة فقد حرّ … يموت لموته خلق كثير
وقد صرّح بهذا المعنى ما رواه الرّبعىّ عن المتنبّى، أنه قال: قال لى أبو عمر السّلمىّ: عدت أبا علىّ الأوارجىّ فى علّته التى مات فيها بمصر، فاستنشدنى:
لا تكثر الأموات كثرة قلّة. . . البيت
فأنشدته، فجعل يستعيده ويبكى حتى مات (?)، فإذا كان المتنبّى قد حكى هذا، فهل يجوز أن يكون المعنى إلاّ على ما قدّره أبو الفتح؟
...