وهذا الهدي قد يجهله بعض المسلمين، فتدفعهم الغيرة والحمية للدين إلى أن يدعو على عموم الكافرين بالهلاك والدمار، وهذا خلاف هدي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وصحابته الكرام.

الثامن والعشرون: تُشرع محبة الخير والهداية للناس جميعاً مؤمنهم وكافرهم والرحمة والشفقة عليهم ولا علاقة لهذه المحبة بالبراء الشرعي من المشركين , بل إن شفقة المؤمن على الكافر لقرابته أو لإحسانه وكذلك خوف المؤمن على قومه وعشيرته من عاقبة ما هم فيه من الكفر ورحمتهم لا تُنافي كمال الإيمان المستحب ناهيك عن الواجب فهذا نوح قال الله عنه يوم الطوفان} وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {وقوله لقومه بعد أمرهم بتوحيد الله} إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {فنوح يُشفق على ابنه الكافر وعلى قومه الكفار ومنه قول إبراهيم لأبيه} يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا {, وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:" يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك لا تعصني، فيقول أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله تعالى: " إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فينظر، فإذا هو بذيخ ملتطخ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار " فإبراهيم يُشفق على أبيه الكافر , ومن ذلك قول شعيب لقومه بعد نصحه لهم} َإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ {, ومن ذلك أيضاً قول هود لقومه بعد وعظهم} إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {, ومن ذلك أيضاً قول مؤمن آل فرعون لقومه بعد تذكيرهم بالله} وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ {, وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال (زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يُؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي) ومن المعلوم أن البكاء والشفقة لا يكونان إلا من ميل قلبي جبلي لا يُؤاخذ عليه الإنسان.

التاسع والعشرون: اتفق أهل العلم على أن من تخشى على نفسك الافتتان به وأن يضرك في دينك فيجب عليك هجره ولو كان قريباً لك ولو لم يتبين لك كفره أي بمعنى لو كان فاسقاً مسلماً ويستثنى من وجوب هجره هجراً جميلاً وعدم صلته ما كان على سبيل المداراة وصلته بما لا يُدخل عليك ضرر في دينك كصلته بالمال ونحوه.

الثلاثون: جواز مصاحبة الكفار المسالمون ومؤاكلتهم ومشاربتهم لحاجة كعمل بينك وبينهم أو كان ذلك لمصلحة شرعية راجحة كدعوة أوصلة للرحم وضيافتهم إذا كانوا ضيوفاً فلا بأس بذلك ما لم يصل إلى حد موالاتهم.

الحادي والثلاثون: يجوز الدعاء للكافر بالشفاء من مرض والعافية منه للمصلحة كرجاء إسلامه وتأليف قلبه ونحوه.

الثاني والثلاثون: تجوز الاستجارة بالكافر لحماية الدعوة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015