الشيءَ الظاهر، وينقِم الأمر البيّن، كفعل بعضهم في قوله:

لأنْت أسودُ في عيني من الظُلَمِ

فإنه أنكر أسود من الظُلم، ولم يعلم أنه قد يحتمل هذا الكلام وجوهاً يصح عليها، وأن الرجل لم يرد أفعل التي للمبالغة. كإنكار آخر قوله:

فالغيث أبخل مَنْ سعى

فزعم أن من لا تكون إلا لما يعقل، وأفعل لا يجري إلا على البعض من تلك الجملة، تقول: زيد أفضل من الناس؛ فلا بد أن يكون زيدٌ من الناس، ولو قلت: أفضل الحمير لم يصحّ. وكذلك لو قلت: أفضل ما يقضم الشّعير ويرْعى الكلأ لم يجُزْ. قال فمَنْ سَعى لا يقع إلا على عاقل، والغيث ليس من هذه الجملة، وهذا الاعتراض يدلّ على تقصير شديد في العلم بكلام العرب؛ لأن العرب إذا وصفت الشيءَ بصفة غيره استعارت له ألفاظه، وأجرته في العبارة مجراه، وإن كان لو انفرد انفرد عنه بصفته، وتميّز دونه بعبارته؛ فمن ذلك قول الله تعالى: (والشمسَ والقمرَ رأيتُهم لي ساجِدين) لمّا وصفهما بالسجود جمعهما بالياء والنون، ولا يُجمع بهما إلا جنس مَن يعقل، أما خرَج على بابه لعللٍ مذكورة في مواضعها، لكنه لما أجرى على الكواكب صفة من يعقل ألحقها في العبارة بهم. وكذلك قوله حاكياً عن السموات والأرض: (قالَتا أتيْنا طائِعين) لما حكى عنهما النطق والقول والطاعة والائتمار أجرى الكلام على ذلك فقال: فقضاهنّ، وعلى هذا قوله عز وجل (وكلٌ في فلَكٍ يسبحون) وهو كثير. وفي الشعر؛ فإذا جعل الغيث بخيلاً أو جواداً، ووجد العرب قد أجازت وتكلمت به جاز له إلحاقه بالبخلاء والأجواد في استعمال العبارة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015