الأقليات الدينية والقومية:

حينما كان الإسلام هو المهيمن على الحكم والعلاقات الاجتماعية قبل العصر الأخير كانت الأقليات الدينية غير الإسلامية والمنشقة عن جمهرة المسلمين بمذهب خاص انفصلت به عن الجماعة قد كيفت وضعها الخاص تكيفا لا يدع مجالا لمشكلة اجتماعية ولا لشكوى إلا كانت عارضة فلما ظهرت التيارات المذهبية الحديثة وجدت هذه الأقليات طريقا جديدا لتغير وضعها والمشاركة مع المنتمين إلى هذه التيارات من المسلمين أنفسهم لتحقيق رغبة نفسية لديها وهي إزالة حكم الإسلام وإقصاؤه عن مجال الحكم والتشريع متذرعة بالفكرة الوطنية الديمقراطية العلمانية أو القومية أو الاشتراكية، فأوجد هذا الوضع مضاعفات وتعقيدات ومنازعات مؤسفة في عدد من البلاد الإسلامية.

أما الأقليات القومية فكانت منسجمة مع القومية التي تعيش معها حينما كان الإسلام أساسا للحكم والعلاقات الاجتماعية وإنما برزت المشكلة حتى تكونت الدولة الحديثة _ في البلاد الإسلامية_ على أساس قومي فكان رد الفعل الطبيعي مطالبة هذه الأقليات بحقوقها القومية من تكوين دولة أو استقلال ذاتي ولغة خاصة ومشاركة في الحكم وما إلى ذلك.

بعد استعراضنا لواقع العالم الإسلامي المعاصر وما ظهر من ظاهرات انتقصت من الوحدة بين الشعوب الإسلامية وعوامل أثرت فيها وأحدثت فيها انقساما وتصدعا وتشبعا، لابد لنا من إثبات ملاحظة هامة. ذلك أنه بالرغم من العوامل التي انتقصت الوحدة وأضعفتها فإنه لا تزال كثير من جوانب الاشتراك وأسس الوحدة قائمة في كل شعب وبين الشعوب الإسلامية.

لا يزال الشعور الشعبي الإسلامي قويا عميق الجذور وهو شعور بالانتماء إلى الإسلام والإيمان به وشعور بالوحدة بين المسلمين ولا يزال هذا الشعور أقوى من أي شعور آخر يقابله مما تولد من التيارات المذهبية الحديثة.

ولا تزال وحدة المظاهر الدينية في العبادات وشعائرها والأعياد والمواسم والعادات ذات أثر كبير في النفوس ولا تقل عن ذلك ذكرى ماضي الإسلام وتاريخه في الوعي الشعبي.

ونضيف إلى هذه الجوانب ظاهرة جديدة آخذة بالقوة والاتساع والعمق وهي ظاهرة العودة إلى الإسلام دراسة وإطلاعا وإحياء لتراثه ومصادرة والتزاما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015