ومحبطات الأعمال ومفسداتها أكثر من أن تحصر، وليس الشأن في العمل، إنما الشأن في حفظ العمل مما يفسده ويحبطه.

فالرياء وإن دق محبط للعمل، وهو أبواب كثيرة لا تحصر، وكون العمل غير مقيد باتباع السنة أيضاً موجب لكونه باطلاً، والمن به على الله تعالى بقلبه مفسد له، وكذلك المن بالصدقة والمعروف والبر والاحسان والصلة مفسد لها.

كما قال سبحانه وتعالى:

{يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} وأكثر الناس ما عندهم خبر من السيئات التي تحبط الحسنات، وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} فحذر المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما يجهر بعضهم لبعض، وليس هذا بردة، بل معصية تحبط العمل وصاحبها لا يشعر بها، فما الظن بمن قم على قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهدية وطريقه قول غيره وهديه وطريقه؟

أليس هذا قد حبط عمله وهو لا يشعر؟ ومن هذا قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله» ومن هذا قول عائشة رضى الله تعالى عنها وعن أبيها لزيد بن أرقم رضى الله عنه لما باع بالعينة: إنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أن يتوب.

وليس التبايع بالعينة ردة، وإنما غايته أنه معصية، فمعرفة ما يفسد الأعمال في حال وقوعها ويبطلها ويحبطها بعد وقوعها من أهم ما ينبغي أن يفتش عليه العبد ويحرص على عمله ويحذره.

وقد جاء في أثر معروف إن العبد ليعمل العمل سراً لا يطلع عليه أحداً إلا الله تعالى فيتحدث به فينتقل من ديوان السر إلى ديوان العلانية ثم يصير في ذلك الديوان على حسب العلانية فإن تحدث به للسمعة وطلب الجاه والمنزلة عند غير الله تعالى أبطله كما لو فعله لذلك.

فإن قيل: فإذا تاب هذا هل يعود إليه ثواب العمل؟ قيل: إن كان قد عمله لغير الله تعالى وأوقعه بهذه النية فإنه لا ينقلب صالحاً بالتوبة، بل حسب التوبة أن تمحو عنه عقابه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015