ويرويه غيره -ممن لا يحفظ- عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، فسلك به الجادة؛ فهذه غرابة تخصّ موضعًا مِن السند، صحيحة، والحديث صحيح.

والنوع الثالث: هو الذي أشرت إليه بـ "غريب بعض المتن"، وهو أيضًا مختلف بحسب حال التفرد بالزيادة، وإلى بعضه يشير الإِمام أبو عمرو بقوله: "غرائب الشيوخ في أسانيد المتون الصحيحة"، قال: "وهو الذي يقول فيه أبو عيسى: "غريب مِن هذا الوجه". -وقد تقدَّم في هذا النوع بحث عند ذكر الشاذ، في حكم الزيادة-. نوضحه (?): فإذا قال أبو عيسى في حديث: "غريب من هذا الوجه"، مشيرًا إلى ذلك، أو "غريب مِن حديث فلان عن فلان" فقد أوضح مراده منه، وإنْ قال: "هذا حديث غريب"؛ أمكن أنْ يُحْمَل على الغرابتين: "المطلقة، والمقيّدة".

وأمّا النوع الرابع: فهو الغريب سندًا لا متنًا، كحديث: "الأعمال بالنيّات"؛ إذا رُويَ عن غير عمرَ بنِ الخطاب، فقد وَقَعَ لنا طريق لا ذكر فيها ليحيى بن سعيد، ولا مَن فوقه إلى عمر، وهذا إسناد غريب كله، والمتن صحيح.

وأمّا النوع الخامس: فيشمل الغريب كله سندًا ومتنًا، أو أحدهما دون الآخر، وقد ذكر أبو محمَّد بن أبي حاتم -رحمه الله- بسند له: أنَّ رجلًا سأل مالكًا عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، فقال له مالك: "إنْ شئت خلِّل، وإنْ شئت لا تخلّلْ"، وكان عبد الله بن وهب حاضرًا، فعجب من جواب مالك، وذكر لمالك في ذلك حديثًا بسند مصري صحيح، وزعم أنّه معروف عندهم، فاستفاد مالك الحديث، واستفاد السائل، فأمره بالتخليل، هذا أو معناه.

وفي ذلك جمع غرائب البلدان، وما تفرد به أهل الأمصار مِن سنن، مِن جمعها وقبولها للصحة وغيرها واضح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015