قولك: هزم خالد الأعداء، فقد قدم خالد على الأعداء، لأنه فاعل، والأصل فيه أن يقدم على المفعول، وكالمفعول الأول في نحو: أعرت محمداً كتاباً، فالأصل فيه التقديم، لما فيه من معنى الفاعلية، لأنه الآخذ الكتاب، فهو في قوة قولك: أخذ محمد كتاباً.

ومنها: أن يكون ذكره أهم، والعناية به أتم، بأن يكون تعلق الفعل ذلك المقدم هو المقصود بالذات الغرض من الأغراض، كما إذا عاث شقي في البلاد فساداً، فهاجه شرطي وقتله، فأردت أن تخبر بذلك قلت: (قتل الشقي الشرطي)، إذ المقصود الأهم هو تعلق القتل والشقي، لينجو الناس من شره ويتقوا أذاه، فلا يعنيهم: أقتله شرطي أم غير شرطية؟

فإذا كان ثم رجل ضعيف هزيل لا يستطيع أن يدفع الأذى عن نفسه، أقتل رجلاً، وأردت أن تخبر عن ذلك قلت: قتل فلان رجلاً، فتقدم الفاعل حينئذٍ، لأن الذي يهم الناس من شأن هذا القتل صدوره من رجل لا يظن فيه ذلك، ولا يهمم بعد ذلك كان المقتول زيداً أم عمراً.

ولهذا قدم الله تعالى الوعد برزق المخاطبين على الوعد برزق أولادهم في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}، لأن الخطاب هنا للفقراء بدليل قوله ومن إملاق، أو بسبب فقر وعوز، لأن رزقهم موضع اهتمامهم ومحط آمالهم.

وقدم الوعد برزق أولادهم على الوعد بروقهم، في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}، لأن الخطاب هنا الموسرين بدليل قوله: "خشية إملاق"، لأن الخشية إنما تكون مما لم يقع، فكان رزق أولادهم هو المطلوب والمهم عندهم.

ومنها: أن يكون في تأخير المعمول إخلال بالمعنى المراد، بأن يكون موهماً لمعنى آخر غير مراد، ولهذا يقدم دفعاً لهذا الإيهام: وذلك كما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015