ولعلهم أطلقوا أيضاً على الصورة اسم (النصب) وهو في الأصل كل ما كان ينصب فيعبد من دون الله تعالى والجمع أنصاب ويقال نصب بضمتين والجمع نصائب.

وقد خصوها بعبادة الأوثان فأرادوا بها حجارة كانت حول الكعبة كانوا يصبون عليها دماء الذبائح ولعل النصارى أرادوا بها معنى الصورة عموماً الوثن لورود اللفظة في شعر البعض منهم.

وأعجب من هذا أنهم استعملوا لفظة (الوثن) للدلالة على صورهم والكلمة حبشية (كلمة يونانية) بهذا المعنى وقد استعملها الأعشى بمعنى الصليب قال (المفضليات ص549 ed. Lyall ولسان العرب 17: 334) :

يطوفُ العفاةُ بأبوابهِ ... كطوف النصارى ببيت الوثنْ

(قال) أراد بالوثن الصليب وقد امتازت كنائس النصارى (بالناقوس) وكان قديماً خشبة طويلة يقرعون عليها بخشبة قصيرة اسمها (الوبيل) أو (الأبيل) يقال نقس بالوبيل الناقوس نقساً إذا ضربة ثم جعلوا بدلاً من الخشبة لوحاً من نحاس كانوا يقرعون عليه، وهو اليوم (الجرس) على صورة نصف المخروط وهو عربي أيضاً ذكره في التاج قال (4: 118) : "والجرس الجلجل.؟. والذي يضرب به"، وتكرر في الشعر الجاهلي ذكر النواقيس قال التلمس يذكر خروجه إلى بلاد غسان حيث كثرت الكنائس والنواقيس (راجع طبعتنا لديوانه) :

حنَّت قلوصي بها والليلُ مطرقٌ ... بعد الهدوِّ وشاقتها النواقيسُ

قوله: "بعد الهدوّ" أي عند السحر لأن عادة الرهبان أن يقرعوا نواقيسهم للصلاة قبل الفجر ومثله قال المرقش الأكبر (المفضليات ص465) :

وتسمعُ تزقاءً من اليوم حولنا ... كما ضربت بعد الهدوّ النواقيسُ

ومثلهما للأعشى (راجع الجوهري في مادة حدّ) ويروى لعنترة (العقد الثمين ص179) :

وكأسس كعين الديك باكرتُ حدَّها ... بفتيانِ صدقٍ والنواقيسُ تضربُ

وقال الأسود بن يعفر وجمع الناقوس على نقس (التاج 4: 263) :

وقد سبأتُ لفتيانٍ ذوي كرمٍ ... قبلَ الصباح ولَّما تقرعِ النقسُ

وأكثر ما كانت النواقيس في الدساكر والقرى قال لبيد (ديوانه ص137) : فصدَّهم منطقُ الدُّجاجِ عن العهد=وضربُ الناقوس فاجتنبا قال الشارح: "والناقوس إنما يكون في القرى فلما مروا بالقرى كرهوا دخولها فعدلوا عنها واجتنبوها وكانت قصداً على الطريق" ومثله للجعدي:

ودسكرةٍ صوتُ أبوابها ... كصوتٍ الموائح بالحوأبِ

سبقتُ صياح فراريجها ... وصوتَ نواقيسَ لم تضربِ

وكان ضارب الناقوس الراهب والراهبة والقس، قال ربيعة بن مقروم من أبيات مرَّت ذكر فيها الراهب (الأغاني 19: 92) :

لصبا لبهجتها وحسن حديثها ... ولهمَّ من ناقوسهِ يتنزَّلِ

وروى في الأغاني لبعض الأغفال عن راهبة:

تضربُ بالناقوس وسط الدَّيرِ ... قبل الدَّجاجِ وزقاء الطَّير

ومثله لجرير في القس (البكري 215) :

صبحن ثرماءً والناقوسُ يقرعهُ ... قسُّ النصارى حراجيجاً بنا يجفُ

وقال جرير أيضاً (البكري 368) :

لَّما تذكرتُ بالديرين ارَّقني ... صوتُ الدجاج وقرعٌ بالنواقيسِ

وقال الأعشى ودعا ضارب الناقوس بالأبيل وهو أيضاً الحبر كما مرَّ (راجع حماسة البحتري ص56) :

فأنيّ وربّ الساجدينَ عشيةً ... وما صكّ ناقوسَ الصلاة أبيلها

أصالحكم حتى تبؤوا بمثلها ... كصرخة حبلى بشَّرتها قبولها

ويؤيد ذلك قول المثل في القاموس: "رأيت أبيلاً على وبيل" أي حبرا على عصا رعايته، وقيل بل الأبيل هو عصا الناقوس كالوبيل.

أما (الجرس (فلم نجده في شعر قديم، وإنما ورد ذكره في الحديث قال في أسد الغابة لابن الأثير (1: 351) عن لسان محمد في الوحي: "أحياناً يأتيني (أي الوحي) في مثال صلصة الجرس"، وفي حديث آخر رواه مسلم (4: 450) : "الجرس مزامير الشيطان".

وكانوا ينيرون كنائسهم بالأنوار ويسرجون فيها السرج ويضيئونها بالمصابيح قال عمر ابن أبي ربيعة (الأغاني 15: 7) :

نظرتُ إليها بالمحصَّب من منى ... ولي نظرةٌ لولا التحرُّجُ عارمُ

فقلتُ أشمسٌ أم مصابيحُ بيعةٍ ... بدت لك خلف السجّفِ أم أنتَ حالمُ

وكانوا على الأخص يقيمون فيها الرتب الدينية مرَّ ذكر صلاتهم وسجودهم وتسبيحهم في كنائسهم، وكانوا يقربون القرابين في القداس ومنه قول الأعشى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015