وكان نصارى العرب كما غيرهم يزينون كنائسهم بنقش الصور ونصب التماثيل فيكرمونها نسبة إلى ما تمثله من أولياء الله وفضائلهم ولنا في شعر أهل الجاهلية عدة شواهد على ذلك، فذكروا (الصورة) وهي هيئة الشيء وشكله لا سيما هيئة أولياء الله، وقد سبق في باب تاريخ النصرانية بين عرب الحجاز (ص116 117) أن العرب كانوا وضعوا في الكعبة صورة "الملائكة والأنبياء كموسى ومريم وعيسى": وممن ذكروا الصور النصرانية الأعشى كما سبق فبنى من الصورة فعل "صار": وصلَّب فيه وصارا يريد الراهب الذي نصب الصليب في الهيكل وزانه بالصور، وتسمى الصورة (تمثالاً) قال في التاج (8: 111) : "التمثال الشيء المصنوع مشبهاً بخلق من خلق الله عز وجل (قال) والتماثيل هي صور الأنبياء وكان التمثيل مباحاً في ذلك الوقت"، وكانت تلك الصور تتقن بالفن وينقشونها بالألوان ويطلونها بالذهب.

عرَّاء مثل الهلالِ صورتها ... ومثل تمثالِ صورةِ الذَّهبِ

(قال) ويروي: بيعة الذهب وروى ياقوت لشاعر قديم (3: 525) :

حتى إذا كنَّ دوين الطربالْ ... بشَّرَ منهُ بصهيلٍ صلصالْ

مطهر الصورة مثل التمثال ومثله للأخطل (ديوانه ص12) :

حليٌ يشبُّ بياض النّحر وأقدرهُ ... كما تصوَّر في الدير التماثيلُ

وكانوا يطرفون حول الصور لاسيما في أعيادهم قال الحارث بن خالد المخزومي (الأغاني 15: 133) :

وبشرةُ خود مثل تمثال بيعةً ... تظلُّ النصارى حولهُ يومَ عيدها

ومثل الصورة والتمثال (الدُّمية) جمعها الدمى وأصلها من السريانية (كلمة سريانية) ومعناها الشبه، قال في التاج (10: 131) : "الدمية الصورة المنقشة من الرخام (عن الليث) وفي الصحاح: الصورة من العاج ونحوه أو عام من كل شيء مستحسن في البياض أو الصورة عامة (وهو قول كراع) قال ابن الأثير: هي الصورة المصورة لأنها يتنوق في صنعها ويبالغ في تحسينها.. والدمية أيضاً الصنم.. لتزيينها وتنقيشها كالدمى الصورة"، ولذلك ضربوا المثل في حسنها فقالوا: "أحسن من دمية (أمثال الميداني 1: 300) وقد شبهوا نساءهم قال الأعشى (التاج 6: 344) : وحورٍ كأمثال الدُّمى ومناصفُ وكان سبقهم داود النبي إلى هذا التشبيه فوصف في المزامير (مز 143: 12) : بنات المنافقين "المتزينات كدمى الهياكل"، ومعظم الشعراء القدماء الذين ذكروا الدُّمى خصوا بها بيع النصارى ومحاريبهم دلالة إلى عادتهم المألوفة بتزيين كنائسهم بالصور ليكرموها لا ليعبدوها كالأصنام قال عديّ بن زيد (في الكامل للمبرَّد eb,Wright, 460) : كدُمى العاج في المحاريب أو كال_بيض في الروضِ زهره مستنيرُ ومثله للأخوص في الإسلام (الأغاني 4: 142) :

كأنَّ لبنى صبيرُ غاديةٍ ... أو دميةٌ زيّنت بها البيعُ

وقال عمر بن أبي ربيعة (الكامل ص370) :

دميةٌ عند راهبٍ ذي اجتهادٍ ... صوَّروها في جانب المحرابِ

وقال أمية بن أبي عائذ (ديوان المهذيليين ص 177) :

أبو دميةٌ المحراب قد لعبت بها ... أيدي البناةٍ بزخرف الإتراصِ

وتبعه أبو العتاهية فقال (الأغاني 3: 151) :

كأنَّ عتَّابةَ من حسنها ... دميةُ قسٍ فتنت قسَّها

وممن وصفوا الدمى أمرؤ القيس حيث قال (ديوانه في العقد الثمين ص128) :

كأن دمى سقفٍ على ظهر مرمرٍ ... كسا مزبد الساجوم وشياً مصوراً

ومثله النابغة الذبياني (العقد الفريد ص10) :

أو دميةٍ من مرمرٍ مرفوعةٍ ... بنيتْ بآجرٍّ تشادُ وقرمد

وكذلك قال عبيد بن الأبرص (الأغاني 19: 86) :

واوانسٌ مثل الدُّمى ... حورُ العيونِ قد استبينا

وقال سلمى بن ربيعة (الحماسة ص506 ed. Freytag) : وقال زياد بن حمل (الحماسة 614) :

فيها مقائل أمثالُ الدُّمى خردٌ ... لم يغدهنَّ شقا عيشٍ ولا يتمُ

ويظهر من شعرهم أن هذه الدمى كانت تصطنع في بعض أنحاء العرب كهكر قيل أنه موضع في اليمن قال أمرؤ القيس (ديوانه ص124 في العقد الثمين) :

كناعمتين من ظباء تبالةٍ ... على جوذرين أو كبعضِ دمى هكرْ

وكذلك مسنان وقيل أنها ميسان بين الواسط وبصرة قال سحيم:

وما دميةٌ من دمى ميسنا ... نِ معجبةٌ نظراً واتصافاَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015