وقد دعوا أيضاً كتب الوحي "مجلّة" وعلى هذا روي بيت النابغة في بني غسّان:

مجَّلتهم ذات الإلهِ ودينهم ... قويمٌ فما يرجون غيرَ العواقب

قال ابن دريد في الاشتقاق:"فالمجلّة الصحيفة يكتب فيها شئ من الحكمة. وأصل الكلمة من العبرانيّة "كلمةسريانية" أي الوحي والتبيان. وقد وردت في سيرة الرسول لابن هشام حيث ذكر "مجلّة لقمان يعني حكمة لقمان" وفي حديث أنس "ألقى إلينا مجالّ أي صفحاً" وربّما دعوا كتاب الوحي "بالصحيفة" جمعها صحائف وصحف وأصلها من الحميريّة والحبشيّة بمعنى الكتاب والرسالة مطلقاً. قال لقيط الأيادي في أوّل قصيدة يحذر فيها قومه من كسرى:

كتابٌ في الصحيفةِ من لقيطٍ ... إلى من بالجزيرة من إيادِ

ومثلها "صحف موسى وابراهيم" في القرن يراد بها كتب منسوبة إلى موسى وابراهيم.

ومثلها "المصحف" بتثليث الميم أي الكتاب والمسلمون يخصّونها بالقرآن.

وقد سبق شعراء الجاهليّة فنطقوا بها واطلقوها على أسفار النصارى قال أمرؤ القيس "راجع ديوانه في العقد الثمين ص 161" وورد في قوله اسم "الآية" إشارة إلى مضامين تلك الأسفار:

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍوعرفانِ ... ورسمٍ عفتْ آياتهُ منذ أزمان

أتتْ حججٌ بعدي عليهِ فأصبحتْ=كخطِ زبورٍ في مصاحفِ رهبانِ وأصل الكلمة من الحبشيّة "كلمة سريانية" "مصحف" من "كلمة سريانية" "صحف" أي كتب.

وقد استعملوا لفظة "القرآن" ولم يتفقوا على أصلها فمنهم من همزها وجعلها مصدراً لقرأ بمعنى القراءة. ومنهم من رجّح عدم همزها فقال قران واستشهدوا ببيت حسّان بن ثابت في هجوه لبني جمح قال:

جحدوا القانَ وكذّبوا بمحمّدٍ ... والله يظهر دين كلّ رسولِ

وعليه تكون القران من قرن أي جمع بمعنى مجموع الآيات. وعلى رأينا أنّ الهمز أفضل وهو الشائع وعلى هذا اللفظ وردت في لأميّة كعب بن زهير قال:

مهلاً هداكَ الذي أعطاك نافلةَ ... القرآنِ فيهِ مواعيظٌ وتفصيلُ

وعندنا أنّ أصل الكلمة من السريانيّة "كلمة سريانية" وهي مصدر "كلمة سريانية" ومعناها القرااءة وقطعة من الكتاب لا سيّما الكتاب المقدّس ويقال بهذا المعنى "رأس القِريان" "كلمة سريانية".

وقد استعملوا "الفرقان" بمعنى القرآن قالوا دعي بذلك لأنه يفرق الحق من الباطل. وجاءت الكلمة في القرآن في سورة البقرة بمعنى التوراة حيث قال: "وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ ". (راجع تاج العروسفي مادة فرق) وأصل هذه الكلمة على ما نرى من السريانيّة وهي "كلمة سريانية" بمعنى النجاة والخلاص مع الإشارة إلى الفصل والتفريق. وقد وردت بمعنى الخلاص في القرآن في سورة الأنفال حيث قال: "إَن تَتّقُواْ اللهَ يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً " فشرحه ابن سعيد بقوله: "الفرقان النصر على الأعداء" وكذلك شرح ابن دريد قول القرآن "يوم الفرقان" بيوم النصر.

ثم دعوا فصول القرآن "سورة" فهمزها بعضهم وأهمل همزها غيرهم فقالوا هي البقيّة من الشئ والقطعة منه. وقال غيرهم هي من السورة بمعنى الرتبة والشرف كما قال النابغة يمدح النعمان:

ألم ترَ أنَّ الله أعطاك سورةً ... ترى كلَّ ملكٍ دونها يذبذبُ

والمرجّح ما ارتآه في ذلك العلاّمة نولدك أنّ أصلها من العبرانيّة "كلمة سريانية" معناها المدماك والساف من البناء ومجازاً هي سطور الكتابة والقطعة منها ُمّ أنّ وسيط الوحي بين الله والبشر "النبي" شرحه بقوله: "النبي فعيلُ الطريق يُهمز ولا يُهمز ... ومنه أخذ الرسول لأنه الطريق الموضح الموصل إلى الله تعالى" وعلى رأي العلماء هذا شرح بعيد واللفظة من العبرانيّة "كلمة سريانية" أي الناظر والرائي سلفاً لما يوحي إليه الله من الأمور المستقبليّة. وقد جاءت في الشعر الجاهليّ قال أميّة بن أبي الصلت عن مريم العذراء كتاب البدء للمقدسيّ:

فأدركها من ربّها ثمَّ رحمةٌ ... بصدقِ حديثٍ من نبيّ مكلّمِ

وقال آخر: كلّ أهل السماء يدعو عليكمْ=من نبيّ وملأك ورسولِ ومثل النبيّ "الرسول" أي المرسل من الله إلى الناس قال أميّة في بعثة الله لموسى الكليم: وأنت الذي من فضل منٍّ ورحمةٍ=بعثت إلى موسى رسولاً منادياَ وقال أيضاً على لسان الملاك جبرئيل إلى مريم يبشرها بالمسيح:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015