فهذه جملة من زيّهم في حُسن مناقبهم، ومستحسَن جميل مذاهبهم، ولهم أيضاً رقة الطبع، والتلطّف في كل الأمور، والمداراة، والتملّق، والتأنّي، والترفّق، ومن ذلك قولهم: من حَبّ طَبّ، أي رَفِق ودارى، ومن ذلك سُمّي الطبيبُ طبيباً لترفّقه ومداراته؛ والعرب تقول: هو طَبٌّ بالأمور، أي عالمٌ رفيقٌ؛ قال عمر بن أبي ربيعة:

فأتتْها طَبّةٌ عالمةٌ ... تخلِط الجِدّ مِراراً باللعبْ

ترفع الصوت إذا لانت لها ... وتراخى عند سَوراتِ الغضبْ

ولهم حسن التأني فيما يُريدونه، ولطيف الحيَل فيما يحاولونه، وخفيُّ التلّطف لما يطالبونه؛ حوائجُهُم سريّةٌ، وسرائرهم مخفية، وأمورهم باطنةٌ، وحيلهم لطيفة، يُورِدون الأمور مواردها، ويُصدرونها مصادرها. ولهم فيما استحسنوا من الهدايا بينهم، والبرّ والمُلاطفة والمُكاتبة، والتُّحفة من غيرهم، ما يُستصغر؛ ومن ذلك أنهم ربما أهْدوا الأُتْرُجة الواحدة، والتفاحة الواحدة، والدَّسْتَبويَة اللطيفة، والشَّمَّامة اللطيفة، والغُصن من الريحان، والطاقة من النرجِس، والرطلَ من الشراب، والقطعة من العُود، والمَخْزَنة من الطيب، والشيء اليسير، والوَهْط الصغير، ونظير ذلك من الأشياء القليلة، الحقيرة والذليلة، التي لا قدر لها عند ذوي العقول، فيُستكثر ذلك منهم، ويُتلقّى بالقَبول، وتُستحسن هداياهم وتُستظرف، ويُفرَحُ بها وتُستظرف. ورغبة غيرهم من الناس في الأشياء الجليلة، والهدايا النبيلة، والطُّرف السريّة، والتُحف السنيّة، غير أهل الظرف، فإنهم اقتصروا على اللطف اللطيف، والبرّ الخفيف.

ومن ذلك كُتُبُهم المِلاح، وألفاظهم الصحاح، التي يستعطفون بها القلوب،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015