من تعود أنه يحس الحياة بأعصابه العارية أن يروض نفسه على التبلد، ويخلد إلى الركود، فلا عجب إذا كنت أقبل على المطالعة حينًا بعد حين1".

وبذا وغيره كان المازني في فكاهاته وسخرياته فنانا رائدًا خلاقًا، عميق الغور، واسع الأفق، انطبعت مختلف مظاهر الحياة المصرية في نفسه، فعبر عن صورها في قوة ووضوح.

وبعد فلعلك أدركت من خلال فصول هذا الباب أن بلاد العروبة حفلت منذ الثلث الأخير من القرن الماضي ينفر من الرواد والمصلحين والأدباء، أثروا الفكر العربي بما بذلوا من جهود، وقدموا من أراء في إصلاح اللغة والدين والسياسة والمجتمع، وترخوا البساطة في التعبير عنها حتى تؤدي الغرض المنشود منها.

ومن الطبيعي أن تتنوع الأساليب وتختلف طرائق التعبير والتصوير، نظرًا لتنوع العلوم التي نهلوا منها، وتعدد الثقافات التي تأثروا بها، وتختلف في نفوس الأدباء، وتطورت تبعًا لها عقولهم، فكان فيهم العالم والأديب والناقد والقاص والمؤرخ والسياسي والمبدع.

ومن هنا برز في المجتمع الثقافي في شتى بلاد العروبة طوائف عديدة في التصوير والتعبير، وكان للغوي أسلوبه، وللمصلح اتجاهاته، ولرجل الدين منحاه، وللعلمي منهجه، وللفني طريقته، وللفلسفي نظرياته، وللساخر تعبيره؛ لأن كل واحد منهم له خطه من الثقافة، وله أسلوبه الذي يميزه عن غيره، وتتضح فيه سماته وقسماته الفارقة، ومميزاته الواضحة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015