ابن مقلة في ذلك. وكان الناس يتسابقون في اقتناء نسخة من كتابه مكتوبة بخطه، وإن كلفهم ذلك غالي الثمن1.

ولئن كان هم أصحاب المعاجم قبل الجوهري إحصاء المفردات، أو المواد اللغوية وتسجيلها في كتبهم كل حسب جهده ومقدرته. ومنهم فريق آخر اقتصر على "الجمهور" المتداول من المفردات، وفريق ثالث أجمل ما قاله الأولون مفصلًا، فإن الجوهري لم يكن يعنيه حصر كل المواد أو الاقتصار على المتداول، إذ رأى أن بعد العهد بالعربي الفصيح قد أدخل على اللغة ما ليس منها. ولقد بلغ الاختلاط في هذا إلى درجة أن اشتبه "الصحيح" بغير الصحيح. فألف كتابه ليثبت فيه ما ذكره لنا من أنه الفصيح في اللغة.

ولقد سمى معجمه الصحاح لهذا، وهذه الكلمة تضبط على وجهين2 إما أن تكون بكسر الصاد جمعًا لكلمة صحيح، أو بفتحها فتكون مرادفًا لتلك الكلمة.

ولعل التنافس بين أصحاب الحديث من حيث الرواية، والتشدد في الصحة وعدمها مما أوحى إلى الجوهري بأن يجري على سننهم. فكما أن للمحدثين "صحيح البخاري"، فلما لا يكون للغويين أيضًا صحيح، وقد تفلسف الجوهري فاختار كلمة "لغوية" مرادفة للصحيح تليق بمقام اللغويين الباحثين أن يستعملوها، فسمى كتابه الصحاح "بفتح الصاد".

ولكن هل معنى الاقتصار على نوع خاص من المواد، أو المفردات أن كثيرًا من اللغة لم يدرج في هذا المعجم؟ يرى الفيروزآبادي صاحب القاموس أن الجوهري قد ترك بذلك نصف اللغة. ويظهر أن المتقدمين كانوا يبالغون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015