فلما استوت رجلاي في الأرض قالتا ... أحيّ فيرجى أم قتيل نحاذره

فقلت ارفعوا الأجراس لا يفطنوا بنا ... وولّيت في أعقاب ليل أبادره

والله لا دخل عليّ أبدا، فمن بالباب غيره ممن ذكرت؟

قال: الأخطل التغلبي. قال: أليس هو القائل:

ولست بصائم رمضان عمري ... ولست بآكل لحم الأضاحي

ولست بزاجر عيسا بكورا ... إلى أطلال مكّة بالنّجاح

ولست بقائم كالعبد يدعو ... قبيل الصبح حيّ على الفلاح

ولكنّي سأشربها شمولا ... وأسجد عند منبلج الصباح «1»

أبعده الله عني، فو الله لا دخل عليّ أبدا، ولا وطىء لي بساطا، وهو كافر، فمن بالباب غيره من الشعراء ممن ذكرت؟ قال: جرير. قال: أليس هو القائل:

طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام

فإن كان ولا بد، فهذا، فأذن له قال عدي بن أرطأة:

فخرجت فقلت: أدخل يا جرير، فدخل وهو يقول:

إنّ الذي بعث النبي محمدا ... جعل الخلافة في الإمام العادل

وسع الخلائق عدله ووقاره ... حتى ارعووا وأقام ميل المائل «2»

إني لأرجو منه نفعا عاجلا ... والنفس مولعة بحبّ العاجل

والله أنزل في الكتاب فريضة ... لابن السبيل وللفقير العائل

فلما مثل بين يديه قال: يا جرير اتق الله ولا تقل إلا حقا، فأنشأ يقول:

كم باليمامة من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر

ممّن بعدلك يكفى فقد والده ... كالفرخ في العشّ لم يدرج ولم يطر

أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أم قد كفاني ما بلّغت من خبري

إنّا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر

إن الخلافة جاءته على قدر ... كما أتى ربّه موسى على قدر

هذي الأرامل قد قضّيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر

الخير مادمت حيّا لا يفارقنا ... بوركت يا عمر الخيرات من عمر

فقال: والله يا جرير لقد وافيت الأمر، ولا أملك إلا ثلاثين دينارا فعشرة أخذها عبد الله ابني، وعشرة أخذتها أم عبد الله، ثم قال لخادمه: ادفع إليه العشرة الثالثة، فقال:

والله يا أمير المؤمنين أنها لأحب مال اكتسبته، ثم خرج فقال له الشعراء: ما وراءك يا جرير؟ فقال: ورائي ما يسوءكم خرجت من عند أمير يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، وإنني عنه لراض، ثم أنشأ يقول:

رأيت رقى الجنّ لا تستفزه ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا

ومما جاء في كبوات الجياد وهفوات الأمجاد قال الأحنف الشريف: من عدت سقطاته، قلت عثراته، وقالوا: كل صارم ينبو، وكل جواد يكبو، وكان الأحنف بن قيس حليما سيدا يضرب به المثل، وقد عدت له سقطة وهو أن عمرو بن الأهتم دس إليه رجلا يسفهه فقال: يا أبا بحر ما كان أبوك في قومه؟ قال: كان أوسطهم وسيدهم، ولم يتخلف عنهم، فرجع إليه ثانيا، ففطن أنه من قبل عمرو بن الأهتم، فقال: ما كان أبوك؟ قال: كانت له فتوة ومروءة، ومكارم أخلاق، ولم يكن أهتم سلّاجا.

وقال سعيد بن المسيب: ما فاتني الأذان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أربعين سنة، ثم قام يريد الصلاة فوجد الناس قد خرجوا من المسجد.

وقال قتادة: ما نسيت شيئا قط، ثم قال: يا غلام ناولني نعلي. قال: النعل في رجلك.

وكان هشام بن عبد الملك من رجال بني أمية ودهاتهم، وقد عدت له سقطات منها: أن الحادي حدا به يوما فقال:

إني عليك أيها النجيّ ... أكرم من يمشي به المطيّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015