ثم قالت لراوية جميل أليس صاحبك الذي يقول:

فلو تركت عقلي معي ما طلبتها ... ولكن طلابيها لما فات من عقلي

فما أراه هوي، وإنما طلب عقله. قبح الله صاحبك وقبح شعره. ثم قالت لراوية نصيب أليس صاحبك الذي يقول:

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فوا حزني من ذا يهيم بها بعدي

فما له همة إلا من يتعشقها بعده. قبحه الله وقبح شعره هلّا قال:

أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فلا صلحت دعد لذي خلّة بعدي

ثم قالت لراوية الأحوص أليس صاحبك الذي يقول:

من عاشقين تواعدا وتراسلا ... ليلا إذا نجم الثريا حلّقا

باتا بأنعم ليلة وألذها ... حتى إذا وضح الصباح تفرقا

قبحه الله وقبح شعره. هلا قال: تعانقا. فلم تثن على واحد منهم، وأحجم رواتهم عن جوابها رضي الله عنها.

وروى ابن الكلبي قال: لما أفضت الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز وفدت إليه الشعراء كما كانت تفد على الخلفاء من قبله، فأقاموا ببابه أياما لا يؤذن لهم في الدخول حتى قدم عدي بن أرطأة عليه وكان منه بمكانة فتعرض له جرير وقال:

يا أيّها الرجل المزجي مطيّته «1» ... هذا زمانك إنّي قد خلا زمني

أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه ... أنّي لدى الباب كالمشدود في قرن «2»

لا تنس حاجتنا لاقيت مغفرة ... قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني

فقال: نعم يا أبا عبد الله، فلما دخل على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قال: يا أمير المؤمنين، الشعراء ببابك، وألسنتهم مسمومة، وسهامهم صائبة، فقال عمر رضي الله عنه: مالي وللشعراء، فقال: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح فأعطى، وفيه أسوة لكل مسلم، قال:

صدقت، فمن بالباب منهم؟ قال: ابن عمك عمر بن أبي ربيعة القرشي قال: لا قرب الله قرابته ولا حيّا وجهه، أليس هو القائل:

ألا ليتني في يوم تدنو منيتي ... شممت الذي ما بين عينيك والفم

وليت طهوري كان ريقك كله ... وليت حنوطي من مشاشك والدم

ويا ليت سلمى في القبور ضجيعتي ... هنالك إن في جنّة أو جهنّم

فليته عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا، ثم يعمل عملا صالحا، والله لا يدخل عليّ أبدا، فمن بالباب غيره ممن ذكرت؟ قال جميل بن معمر العذري قال: أليس هو القائل:

ألا ليتنا نحيا جميعا فإن نمت ... يوافي لدى الموتى ضريحي ضريحها

فما أنا في طول الحياة براغب ... إذا قيل قد سوّي عليها صفيحها «3»

أظلّ نهاري لا أراها وتلتقي ... مع الليل روحي في المنام وروحها

والله لا يدخل عليّ أبدا، فمن بالباب غيره ممن ذكرت؟

قال: كثير عزة قال: أليس هو القائل:

رهبان مدين والذين عهدتهم ... يبكون من حذر الفراق قعودا

لو يسمعون كما سمعت حديثها ... خروا لعزّة ركّعا وسجودا

أبعده الله، فوالله لا يدخل عليّ أبدا، فمن بالباب غيره ممن ذكرت؟ قال: الأحوص الأنصاري قال: أبعده الله، والله لا يدخل عليّ أبدا، أليس هو القائل، وقد أفسد على رجل من أهل المدينة جاريته حتى هرب بها منه:

الله بيني وبين سيّدها ... يفرّ منّي بها وأتبعه

فمن بالباب غيره ممن ذكرت؟ قال: همام بن غالب الفرزدق. قال: أليس هو القائل يفتخر بالزنا في قوله:

هما دلّياني من ثمانين قامة ... كما انقضّ باز ليّن الريش كاسره

طور بواسطة نورين ميديا © 2015