الَّذين لَا يرى ردهم، يرغبون إِلَيْهِ فِي شَأْنه ويقبحون إِلَيْهِ مَا أَمر بِهِ فِيهِ؛ فَرفع عَنهُ الصلب والمثلة، وَأمر بضمه إِلَى المطبق، وتثقيفه. وَكَانَ السُّلْطَان يجْرِي وَظِيفَة على من فِيهِ؛ فَكَانَ ابْن وَافد لَا يَأْكُل مِنْهَا. وَلم يبعد رَحمَه الله {أَن اعتل فِي محبسه؛ فَأخْرج مَيتا فِي نعش، منتصف ذِي الْحجَّة سنة 404؛ فَوَضعه الأعوان بالساقية، مَوضِع غسل المجاذم. فاحتمله قوم إِلَى دَار صهره؛ فسد بَابه فِي وَجه النعش، وتبرأ مِنْهُ تقية. سمع الزَّاهِد حَمَّاد بن عمار بالقصة؛ فبادر، وَصَارَ بنعشه إِلَى منرله؛ فَقَامَ بأَمْره. قَالَ صَاحب المدارك. وَكَانَ من عَجِيب الِاتِّفَاق أَن ابْن وَافد كَانَ قد أودع عِنْد هَذَا الصَّالح كَفنه وحنوطه وقارورة من مَاء زَمْزَم لجهازه، فتم مُرَاده. وعدت من كراماته. وَجَاء بنعشه وَصلى عَلَيْهِ فِي طَائِفَة من الْعَامَّة عِنْد بَاب الْجَامِع. ثمَّ سَارُوا بِهِ؛ فَوَارَوْهُ التُّرَاب غفر الله لنا وَله} وعطل سُلَيْمَان بن الحكم، إِمَام البرابرة، خطة الْقَضَاء بقرطبة طول ولَايَته، زاعماً أَنه لم يرتض لَهَا أحدا، لما تأبى عَلَيْهِ وليه أَحْمد بن ذكْوَان من تقليدها؛ فعطل اسْم الْقَضَاء مُدَّة من ثَلَاثَة أَعْوَام وَثَلَاثَة أشهر، إِلَى أَن هلك إِمَام البرابرة فِي محرم سنة 404، وَولى عَليّ بن حمود الفاطمي، وَأعَاد رسم الْقَضَاء الَّذِي كَانَ قد عَفا بقرطبة، وأحياه بِأَن ولاه الْفَقِيه المشاور عبد الرَّحْمَن بن بشر. وَكَانَ آخر قُضَاة الْخُلَفَاء رَحِمهم الله تَعَالَى! وَذَلِكَ سنة 407، ايام تغلب ابْن حمود الْمَذْكُور على ملك بني مَرْوَان بالأندلس، وظهوره على آخِرهم سُلَيْمَان بن الحكم صَاحب البرابرة، وَملكه لدار مملكتهم قرطبة. ثمَّ هلك عَليّ بن حمود، وَولى وكانه الْقَاسِم أَخُوهُ؛ فَأمر القَاضِي عبد الرَّحْمَن بن بشر على مَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ من الْقَضَاء لِأَخِيهِ. وَكَذَلِكَ فعل المعتلى بِاللَّه يحيى بن عَليّ لما ولى، تبع رَأْي أَبِيه وَعَمه فِي القَاضِي الْمَذْكُور؛ فأثبته فِي مَكَانَهُ، وَقدم مُحَمَّد بن الْحسن، ولد عمته زَيْنَب شَقِيقَة أَبِيه، قَاضِيا بمالقة أَيْضا؛ وَذَلِكَ سنة 426.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015