أما ضنُّ الرجل بها، وإيثاره لها، وحرصه عليها، وتفديته إياها بنفسه وما ملكت يمينه فقد بلغ من أمره أن كسرى أَبْرويز ملك الفرس وسيد ملوك المشرق، وأرسل إلى النعمان يبغي مصاهرته - ولو أن ملكاً من أقطاب العالم وأبطاله الفاتحين خَطبَ إليه كسرى ابنته لوثب عن عرشه زهواً واختيالاً بتلك النعمة السابغة - على النعمان وهو مولاه، وصنيعته، والقائم بأمره، والقارّ لسيفه، والخاضع لسلطانه، رَدّ رسوله مُقَنّعاً بالخيبة ضنّا ببنات المنذر أن يكون قائد بيت أعجمي أيًّا كان مكانه وسلطانه. حتى إذا عاود الرسول مولاه بما لا يرضاه اضطرمت في صدره جذوة الغضب، وثارت بين جنبيه سورة الملك، فأرسل يستقدم عاهل العرب!

هنالك أبصر النعمان وميض الموت يلمع من صوب المدائن، فأودع ابنته حرقة وما يعتزُّ به من سيوف ودروع هانئ بن قبيصة الشيباني وذهب إلى حيث طرح تحت أقدام الفيلة، فذهبت بلحمه وعظمه ودمه كل مذهب من ثَغَرات الأرض وسَوّت معالم جسمه بالتراب.

بذلك نقع كسرى غليل غضبه، وأراد أن يعاود ما بدأ، فأرسل إلى هانئ يقضيه ابنة النعمان، فما كان نصيبه منه بأجمل من نصيب صاحبه. هاج كسرى هائجُ الحَنق على هذه الأمة التي استأسدت في وجهه، واحتجزت فتَاتَها دونه. فأرسل فيالقه يزَحم بعضها بعضاً ليوقع الخسف بها، وَيبسط رواق الذل ضافياً عليها. وهنالك قام العرب يدفعون عن حوزتهم، ويذودون عن أعراضهم فالتقوا بجحافل الفرس على بَطحاء ذي قار، في موقعة احمرّ لها وجه الأفق. وارتفع النّقْع المثار، حتى مَحَا آية الشمس، فظهرت الكواكب واضحة عند منتصف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015