ويلحق بالاحتطاب كل عمل فيه جهد شخصي للحصول على أي نفع يسد به حاجته؛ كطلب الصيد وبيع الأعلاف والساقية ورعي البهائم للناس بأجرة أو الحراسة لهم, وغير ذلك من وسائل طلب الرزق التي لا يكاد تحصى, والتي لا تتطلّب من الشخص غير التفكير السليم والعزم بصدق والتوكل على الله -عز وجل, والابتعاد عن المكاسب المنهيّ عنها؛ كالربا بجميع أنواعه, والغش بجميع أنواعه, وغيرها من المكاسب التي حرَّمها الله, والتي هي في حقيقتها ليست مكاسب, وإنما هي خسارات ظهرت في شكل مكاسب يغتَرّ بها ضعاف النفوس.

وكان الكثير من علماء هذه الأمة وأسلافهم يعملون في شتّى الحرف يطلبون العلم ويؤلّفون, فأفادوا الناس في دينهم ودنياهم, وأفادوا أنفسهم ومجتمعاتهم, وكان الكثير منهم تأتيه الصدقة فيردّها لصحابها ويقول: أعطها من هو أفقر مني, وكان أحدهم يأكل من عمل يده, ولهذا كان يقال لبعضهم وراقًا وبزازًا وزجاجًا وخرازًا وجصاصًا وخواصًا وخياطًا, وغير ذلك من الألقاب التي اقترنت بالمهن التي كانوا يزاولونها, ويجدون فيها رغم متاعبها متعة وراحة عن استجداء الناس, وكان التوكل عندهم هو العمل والجد, حتى إذا انحرفت فطر الناس وتغيَّرت المفاهيم, وحلّت الخزعبلات في عقول بعض من ينتسب إلى الدين, أصبح التواكل بدل التوكل, والشعوذة بدل العمل, والكسل والخمول زهدًا, والاتكال على الناس أمرًا سائغًا, فتفشَّى الفقر وانتشرت البطالة.

والذي نهدف إليه من هذا البحث هو أنّ الضرب في الأرض لطلب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015