في ذلك قول سلمان -رضي الله عنه- حينما سمع بعض الناس يفتخر بنسبه وبقومه, فقال عن نفسه:

أبي الإسلام لا أب لي سواه ... إذا افتخروا بقيس أو تميم

وأمَّا حينما يصل التعصُّب للقومية إلى أن يقدِّم الشخص ولاءه ومحبته للآخر لأنه من قومه, بينما يبتعد عن الآخر من غير قومه حتى وإن كان صالحًا تقيًّا, فهذا لا يعترف به الإسلام, بل تعترف به القومية الجاهلية, وما أكثر ما ورد عن سير السلف الصالح -رضوان الله عليهم- من الصحابة, ومن بينهم إحسان ما أكثر ما ورد عنهم تقديم أخوة الإيمان على أخوة النسب أو الدم, ولنا في مؤاخاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار في أوّل الإسلام خير شاهد على ذلك, فإن قصصهم العطرة وسيرتهم المرضية لا تزال تضيء نورًا وهاجًا وعبيرًا فواحًا إلى يومنا ذا, تخليدًا من الله تعالى لهم وإكرامًا لأوليائه.

وأما القومية العربية التي دعى إليها ساطع الحصري, فهي قومية جاهلية مفرضة لها نفس الأهداف التي كانت نصبَ أعين المتربصين بالإسلام, كما أنه هو نفسه أحد أولئك وإن ظهر بمظهر الغيور على مجد العرب كما يزعم, فإن العرب لا مجد لهم بغير الإسلام, بل هم أمة كانوا في حمئة الجاهلية كسائر الأمم حتى أنقذهم الله بالإسلام, ورفع شأنهم به, ومن زعم غير هذا فقد جانب الحقيقة, وكذب على التاريخ وتشبَّع بما ليس فيه, ولا قيمة لأمجاده التي يزعمها قبل الإسلام, فإن زعمه هذا هو من جنس مزاعم هذا العصر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015