لم يكن ينحني لغير جلال الحق ... والحق منطق العقاد

قلم رائع البيان وعقل ... عبقري ذو قوة واعتداد

إن أفاض الحديث قلت جرى ... السيل وفاض العباب من كل واد

وإذا أوجز الكلام ترامت ... قطرات الندى على الأوراد

وإذا ما عدا يوضح فهمًا ... نشر النور في سواد المداد

وإذا ما مضى يجادل خصمًا ... جاء برهانه كما الفجر هادي

حجة النابغين في أدب الضاد ... ونبراس كل هادٍ وشاد

كم له من يد على اللغة الفصحى ... وتاريخها تبزّ الأيادي

تحتمي في ذراه من كل أفاك ... وتزهو به على كل ناد

مات يا للمصاب.. الله.. إني ... لأحس الأسى يذيب فؤادي

لا لم يمت أبو "العبقريات" ... النشاوي و"الترجمات" الجياد

إلى قوله:

وأفاقوا على الحقيقة "والمذياع" ... يهتز من فم رعاد

كان صوت العقاد يصهل من فيه ... فأضحى صدًى لذاك الجواد

رحم الله ذلك الكاتب العملاق ... في كل مذهب واعتقاد1

لا أظن أحدًا يقول إن هذه القصيدة في رثاء العقاد، نبرات الحزن والأسى والدموع التي تسير في ركاب الرثاء ولا نحس بها هنا، وإنما الذي نراه ونسمعه هي شموخ العقاد العملاق الذي ما زال خالدًا في التراث الحضاري من بعده، الذي ملأ الأفق، مما جعل السنوسي ينسي الغرض وهو الرثاء، ويصور ما هو أهم وأجدى للبشرية، وهو الأعمال الجبارة التي شيدها العقاد في الفكر والعلم والأدب والفلسفة والإسلام واللغة الفصحى وسواها موسوعات العقاد، في كل مذهب واعتقاد.

لهذا يا أخي لا تلمني إن قلت: إن هذه القصيدة وأمثالها والتي تسير على نهجها مدحًا أو رثاء هي أدخل في غرض الحضارة لا في غرض الرثاء، كما لا أرضى أن تكون هذه مرحلة متطورة من مراحل تطور الرثاء؛ لأن شعر الحضارة في العصر الحديث ينبغي ألا يكون غرضًا أدبيًّا تابعًا، بل يجب أن يكون غرضًا أساسيًّا يقف شامخًا بجوار الأغراض الأدبية الأخرى، كيف لا وقد أصبحت وسائل التقدم الحضاري تسد الأفق، وتسيطر على الحياة وتأخذ المنزلة الرفيعة في قلوب الناس وعقولهم إنها ليست غرضًا مستقلًّا فحسب، بل هي أساس الأغراض ومصدرها، وفي النهاية غرض الأغراض الأدبية الحديثة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015