إلى قوله:

قريتي قريتي الوديعة يا عرش ... فؤادي ويا مقر جناحي

كلما ضمني دجاك ورقت ... نفحات الصبا على الأدواح

وانتشى الكون بالعبير وراح ... السيل يختال في السهول الفساح

يغمر الأرض بالنعيم غزيرًا ... ويهز القلوب بالأفراح

نعمت روحي الكئيبة بالصفو ... وصحت من الأسى والجراح1

وهكذا إلى آخر القصيدة في طبيعة هادئة وديعة، يحتضن القلب بدفئها وحنانها ويستقر الإنسان ويسعد في أحشائها؛ لأن الله فطر القلب على محبتها، فلن يتزحزح من موطنه مهما عصفت العواصف، فمن رحيق الليالي يرتشف الجمال من الصبا والمراح فتونًا وألوانًا، ويستنشق من الحدائق الطيب الفواح والنشر الشذي، وفي الليل تجسم النجوم أحلام العذاري حقائق الخير على وجه الأرض، والضحى والغيوم ترسم ظلالًا ساحرة بالندى الفواح، والنسيم رقيق طيب كرقة الفلاح، فالطبيعة عنده هي المعلمة والقدوة تعلمه الرقة وتطبع فيه الصفاء، فالرقة ارتشفها من الزهر ومن الطل، والصفاء انساب فيه من الماء العذب الزلال، تجاوب بين الانسان وبين الطبيعة، فيهتز الكون طربًا بالعبير، ويتدفق السيل يختال في السهول وتنغمز الأرض بالنعيم، وتهتز القلوب بالأفراح والسرور.

تلك هي خصائص الفن الرفيع في شعر الطبيعة الساحرة، التي أحبها الشاعر وأحبته، وتعاطف معها وتعاطف معه، وهام بها فألهمته أسرارها، وأنس إليها ففاضت عليه من خيراتها، فبادلها من شعوره شعرًا خالدًا لتبقى خالدة ما دامت الحياة.

والسنوسي يعشق وطنه، الذي نشأ فيه وترعرع، فيتغنى بسهوله وجباله، وحواضره وبواديه، فيشدو بمدينة جازان ويقول:

جيزان يا درة الجنوب ... الباسم الناعم الخصيب

لكل قلب اليك شوق ... مضمح من هوى وطيب

وأنت في روعة المجالي ... وسحرها الفاتن اللعوب

عروسة الشعر والأغاني ... منية النفس والقلوب

وأنت أنت الهوى المصفي ... للفن وللحب والحبيب2

ويحيي أبها عروس الجنوب فيقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015