كانت ولما تزل تمحو أشعتها ... ضلال كل ذوي أمت وذي أود

حكم وعلم وأمثال فلسفة ... وحكمة لو وعاها ذو الضلال هدى

وهكذا يمضي السنوسي في ستة وتسعين بيتًا يصور فيها الشريعة الإسلامية وسماحتها وحضارتها، وفضل محمد -صلى الله عليه وسلم- على البشرية، وما قام به السلف الصالح من ترسيخ الحضارة الإسلامية.

وليت الشاعر أتى بلفظ "صدر" مكان كلمة "ثغر" في البيت الرابع مع الاحتفاظ بصحة الوزن، لكانت الصورة الأدبية أدق وأعمق، لأن ريّ الثغر الذي قد يكتفي فيه بالبلل وترطيب الجفاف لا يسمو إلى ري الجسد كله بما فيه القلب والعقل والعاطفة والوجدان، فتدب الحياة فيه بعد ظمأ الموت، وينبض ظمأ الموت، وينبض القلب بالقوة في تجويف الصدر، فيتدفق الجسد كله بالدم والحرارة والنشاط.

وكذلك قوله في البيت الثامن: "نديم جبريل يسقيه" فالشاعر يقصد جليس جبريل على حد قول النبي -صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح.." إلى آخر الحديث الصحيح، وجليس لفظ يتضمن معنى أدق وأفضل، وأوقع وأجمل في هذه الصورة الشعرية الرائعة، فكلمة "جليس" وزان كلمة "نديم"، التي وردت في مقام النبوة مع الوحي، وهذا المقام الجليل تتلائم معه كلمة توحي بالإجلال والتقدير، وينأى عن كل كلمة يتسرب إليها أي احتمال لا يليق بهذا المقام الرفيع، فالمعنى الذي يقصده الشاعر في الصورة الأدبية من وراء كلمة "نديم" هو مجالسة النبي لجبريل في مدارسة القرآن الكريم، وهذا جائز في باب المجاز والخيال، لكن التصوير الحقيقي هنا خاصة أولى وأفضل، فلا بد لكلمة "جليس" وهي لفظ حقيقي في تصوير المعنى فقد أشرفت على الغاية؛ لتعلم أن التصوير الأدبي باستعمال اللفظ الحقيقي قد يكون أبلغ في التأثير والإقناع من التصوير الأدبي باستعمال اللفظ المجازي الخيالي. وبهذا لا نترك لأعداء الإسلام منفذًا يتسللون منه في الجدل والتمحل بلا وجه حق، فيتذرعوا بالمعنى الذي يظهر على سطح لفظ "نديم" الذي يعبر عن واقعه المحس المأخوذ من "المنادمة"، وأعتقد أن الشاعر لا يقصد هذا مطلقًا، وإنما الذي أقصده هنا هو من باب "سد الذرائع" أمام أعدء الإسلام.

وقصيدة "ثاني اثنين" في خمسين بيتًا، يصور فيها عظمة الصديق -رضي الله عنه- ومطلعها1.

يا ثاني اثنين في دار هي الغار ... إن اختيارك للمختار مختار

ويا رفيق الهدى والليل معتكر ... والأرض ترجف والأهوال إعصار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015