ثم يصوّر العزاء بعد ذلك، وهو أثر نفسي أيضًا في ستة عشر بيتًا، وفي الأبيات الثمانية الأخيرة، يصوّر أمجاد المرثي، وغاية الأمر عنده في هذا، أنَّ الفيصل صفحة من التاريخ سطرها المجد، فهو سيف صارم، والحق خالد بعد فنائه، وتلك آثار نفسية أيضًا، وليست تصويرًا للأمجاد والبطولات التي حفظها التاريخ لهذا الزعيم الإسلامي العربي الكبير.

لذلك كان الشاعر دقيقًا وصادقًا، حينما جعل عنوان قصيدته "ذهول الحس"، فكانت صدى لتصوير أحاسيسه ومشاعره، وتجسيدًا لأثر الحادث الأليم على النفس، الذي فجر في نفسه تلك التجربة الشعورية الحزينة المؤلمة فجعلت النفس تنزف دمًا، وتتلظَّى ألمًا، وتشتكي أمرها، وهي مفزوعة حائرة تائهة لولا الإيمان بالقدر الذي يثبتها على العقيدة السمحاء.

فالقصيدة مشدودة بمميزاتها السابقة إلى الخصائص الفنية لمدرسة الشاعر، وهي التحرر في التجديد، التي يركّب فيها الشاعر أجنحة الألم والحزن والشكوى والانطواء داخل الذات والنفس، متحررًا عمَّا هو موضوعي؛ لأنه خارج عن ذاته وأعماق نفسه وأغوار وجدانه، وبهذا يكون الشاعر صادقًا مع مذهبه الأدبي، ومخلص له كل الإخلاص.

لهذه الأسباب أدخلت قصيدته "ذهول الحس" في باب الرثاء، لا في الشعر الإسلامي، على العكس مما صنعته في مواطن أخرى، حيث انضم إلى الشعر الإسلامي، لما يقوم عليه من موضوعية لا ذاتية، واهتمام بتصوير آثار المرثي وأمجاده، لا آثاره في نفسه فقط،، وبذلك يكون الرثاء قد أخذ طورًا جديدًا لم يكن له من قبل في الشعر الحديث، ولذلك فضلت أن يدخل في الشعر الإسلامي، فهو إليه أقرب من غرض الرثاء الموروث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015