وجسم الأرض متجسدًا في أسمى المعاني وأروع الصور، يقول السنوسي في "الليل في الريف"1:

الليل في الريف غير الليل في المدن ... فافتح ذراعيك للأرياف واحتضن

واستقبل الليل فيها إنه ملك ... ضافي الجناحين يغري العين بالوسن

كأنه فيلسوف مطرق عجبًا ... مما يرى في حياة الناس من درن

أو شاعر عبقري الفكر منغمر ... في لجة الوحي لا يدري عن الزمن

أو خاطر في ضمير بات منفصلًا ... بطهره ومزاياه عن الإحن

أو عاشق غارق في حب فاتنة ... فليس يعنيه شيء كان أو لم يكن

صمت يحلق بالأرواح في أفق ... من الكون ثري بالجمال غني

يضفي الهدوء عليه من نعومته ... صفو يضيء به الإحساس في البدن

وتلتقي في معانيه وصورته ... روح السماء وجسم الأرض في قرن

الروح الإسلامية في التصوير الأدبي:

الخيال في الشعر قد ينحت صوره الأدبية من صخور الطبيعة وجبالها وأنهارها وبحارها، وأرضها وسمائها، وطيورها وبلابلها، وزروعها وأشجارها، وقد ينسجها الخيال من تاريخ أمة قد اندثرت حضارتها، وحطم الفساد شموخها، وأذل الضلال أنوفها.

وقد يمنح صوره من حضارة خالدة، ورسالة طاهرة، شع نورها في جنبات الدنيا، وتردد صداها بين جوانب الحياة، وهذا الخيال هو الذي سيطر على شعر السنوسي، فترى الصورة عنده تستمد روافدها من نبع الإسلام الصافي، وتتلاحم عناصرها من نور الحضارة الإسلامية، ويكون ذلك بالضرورة إن كان الغرض إسلاميًّا، مثل قصائده في الشعر الإسلامي التي سبق ذكرها في فصل الأغراض مثل قصيدة "الرسالة والرسول"، وقصيدة "ثاني اثنين"، "أذان الفجر"، "دعوة الحق" وغيرها.

وحينما يتخيل السنوسي "الجزيرة" العربية، يصورها بقوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015