المدونه (صفحة 2423)

أَنَّهُ ضَرَبَهُ فَأَجَافَهُ فَعَاشَ الرَّجُلُ وَتَكَلَّمَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَلَمْ يَسْأَلُوهُ أَيْنَ دَمُكَ حَتَّى مَاتَ. أَيَكُونُ فِي هَذَا الْقَسَامَةُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟

قَالَ: أَرَى فِي هَذَا الْقَسَامَةَ إذَا كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا.

قُلْتُ: الَّذِي قُلْتَ إنَّ مَالِكًا يَأْبَى الْقَتْلَ عَلَى جَمِيعِ الْجِرَاحَاتِ. أَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَاتُ وَالْقَتْلُ فِي نَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَنْفُسٍ شَتَّى؟

قَالَ: الَّذِي يُحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسٍ شَتَّى، إذَا قَطَعَ يَدَ هَذَا وَفَقَأَ عَيْنَ آخَرَ وَقَتَلَ آخَرَ، فَإِنَّ الْقَتْلَ يَأْتِي عَلَى هَذَا كُلِّهِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً وَأَنَّهُ قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَمْدًا؟ قَالَ: دِيَةُ يَدِهِ - عِنْدَ مَالِكٍ - عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ بِهِ - عِنْدَ مَالِكٍ - وَيَسْتَحِقُّونَ دِيَةَ الْيَدِ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَسْتَحِقُّونَ النَّفْسَ إلَّا بِقَسَامَةٍ.

قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ أَجْذَمَ أَوْ أَبْرَصَ أَوْ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ عَمْدًا - وَالْقَاتِلُ صَحِيحٌ - أَيُقْتَلُ بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، إنَّمَا هِيَ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَلَيْسَ يُنْظَرُ فِي هَذَا إلَى نُقْصَانِ الْأَبْدَانِ وَلَا إلَى عُيُوبِهَا.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْخَطَأَ، أَلَيْسَ لِوُلَاةِ الدَّمِ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى الَّذِينَ ضَرَبُوهُ - وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً - فَيُقْسِمُونَ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَتُفَرَّقُ الدِّيَةُ عَلَى قَبَائِلِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهَا فَقَالَ لِي: نَعَمْ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا قَتْلُ الْعَمْدِ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ أَتَوْا إلَى رَجُلٍ فَحَمَلُوا صَخْرَةً - جَمِيعُهُمْ - فَضَرَبُوا بِهَا رَأْسَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، فَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّامًا - أَكَلَ وَشَرِبَ وَتَكَلَّمَ ثُمَّ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نُقْسِمُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَنَقْتُلُهُمْ؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا إلَّا عَلَى وَاحِدٍ وَيَقْتُلُوهُ. وَإِنْ كَانَتْ الضَّرْبَةُ مِنْهُمْ مَعًا جَمِيعًا، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا إلَّا عَلَى وَاحِدٍ وَيَقْتُلُوهُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا يُقْسِمُونَ فِي الْعَمْدِ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ اجْتَمَعَتْ جَمَاعَةُ رِجَالٍ عَلَى جِرَاحَاتِ رَجُلٍ خَطَأً، فَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيَّامًا فَتَكَلَّمَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ مَاتَ، فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نُقْسِمُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَنَأْخُذُ الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَتِهِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا وَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَمِنْ ضَرْبَةِ هَذَا مَاتَ أَمْ مِنْ ضَرْبِ أَصْحَابِهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى هَذَا وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِمْ جَمِيعِهِمْ فَإِنَّمَا الدِّيَةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ مُفْتَرِقَةٌ فِي الْقَبَائِلِ، وَإِنَّمَا لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى جَمِيعِهِمْ. وَإِنَّمَا قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْخَطَأِ حِينَ قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ يُقْسِمُونَ فِي الْخَطَأِ. فَقَالَ: إنَّمَا يُقْسِمُونَ عَلَى جَمِيعِهِمْ.

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْعَمْدَ، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيهِ: إنَّمَا يُقْسِمُونَ عَلَى وَاحِدٍ. وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ ضَرَبُوهُ جَمَاعَةً؟ فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الْعَمْدِ فِي هَذَا وَالْخَطَأِ؟

قُلْتُ: فِي الْخَطَأِ لَا يُقْسِمُونَ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِمْ. وَقُلْتُ فِي الْعَمْدِ: لَا يُقْسِمُونَ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ. قَالَ: لِأَنَّهُمْ فِي الْعَمْدِ، لَوْ أَقْسَمُوا عَلَى جَمِيعِهِمْ لَمْ يَجِبْ الدَّمُ عَلَى جَمِيعِهِمْ. فَهَذَا الَّذِي قَصَدُوا إلَيْهِ لِيُقْسِمُوا عَلَيْهِ، لَا حُجَّةَ لَهُ إنْ قَالَ لَا تُقْسِمُوا عَلَيَّ دُونَ أَصْحَابِي؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ: لَا مَنْفَعَةَ لَكَ هَاهُنَا إنْ أَقْسَمُوا عَلَى جَمَاعَتِهِمْ وَجَبَ لَهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015