التابعين بعد أن أفتى علماء التابعين بكفره، وهو لم يقل: أنا الله ولم يفت بجواز ذلك ولم يترك الصلاة ولم يطعن في الزكاة إذاً ماذا فعل؟.

الذي حصل بالضبط أن الرجل ادعى أن الله لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليلا، ومع ذلك حضر مصلى العيد ليصلى مع المسلمين، وخطب أمير البلدة خالد بن عبد الله القسري خطبة العيد، وقال في آخر خطبته: "أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم لأنه ادعى أن الله لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليلا" فنزل من على المنبر فذبحه. ذكرت لكم هذه القصة لتدركوا الفرق بين إيماننا وإيمانهم وغيرتنا وغيرتهم، بين دفاعهم الصحيح ودعوى دفاعنا الذي لا بينة عليه.

النقطة الثالثة: بحث الزكاة: يرى (محمود) أن الزكاة ذات المقادير تشريع مؤقت ملائم للعصور الأولى القاصرة، ولذا لا تصلح لهذا العصر الراقي المتطور، بل يجب أن نترقى في هذا العصر إلى روح الإسلام وهى العدالة الاشتراكية، ونمنع بذلك ملكية الفرد ويشترك الناس جميعا في خيرات الأرض ... هذا خلاصة كلامه. والواقع أن (محمود) لا فرق عنده بين الأوضاع البشرية وبين المنهج السماوي الذي نزل ليسير العباد عليه دائما وأبدا والذي لا يخضع لأي تغيير أو تبديل مهما تطور الزمن وتقدمت الأفكار، وليس بغريب من مثله أن يتفوه بمثل هذا بعد أن استطاع أن يقول: يجوز للعبد أن يدعى ذات يوم: أنه هو (الله) وتسقط عنه الصلاة ونحن نؤمن أن الإسلام هو دين العدالة، ولا عدالة إلا في الإسلام، وهو دين الإنفاق والإيثار {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} البقرة: 3 {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الحشر: 9. ولا يمنع الإسلام ملكية الفرد أبدا، بل يحترمها ويوجهها توجيها حسنا، ويوجب على الملاك الإنفاق من أموالهم على المحتاجين على ما هو معلوم لدى الجميع وهؤلاء الذين يعترضون دائما على هذا الوضع الذي هو عليه الناس من أن بعضهم فقراء وبعضهم أثرياء طبقات مختلفة إنما يعترضون على الله عز وجل في أفعاله ولما اختار الله نبيه محمدا للرسالة الأخيرة اعترض كفار قريش على هذا الاختيار فرد الله عليهم ردا مسكتا لهم ولمن يأتي من بعدهم من كل من يعترض على أحكام الله وأفعاله. يحكى الله ذلك في سورة الزخرف، الآية 31: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} ثم قال في تتمة الآية: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} أي ليسخر بعضهم بعضا ويستخدم بعضهم بعضا على اختلاف طبقاتهم وعلى ذلك يقوم نظام الحياة.

الناس للناس من بدو وحاضرة ... بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم

فالأغنياء يستخدمون الفقراء وهم خدم لهم، والفقراء يستخدمون الأغنياء وهم في حاجة دائما إلى الفقراء في إصلاح أموالهم وحفظها وتنميتها ولا يستغنون عنهم وهذه سنة الله في خلقه {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} فاطر: 43. وذكر صاحبنا الحائر عدة شبه تقضى بسقوط الزكاة في نظره:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015