ويصبح الإنسان حرا مطلقا لا يخضع للأوامر والنواهي وهذا ما يريده ويدعو إليه وما عدا ذلك من النقاط الكثيرة التي سوف تسمعونها فكل وسائل غير مقصودة إلا أنه سلك في دعوته إلى هذه النقطة مسلك اللف والدوران والعتمية على الناس، وكان يحلق في أجواء بعيدة لا يدركها عوام الناس وفات المسكين (محمودا) أن الإنسان إذا بلغ تلك المرحلة وسمي (الله) لا يقف عند الحرية المطلقة التي يشهدها (محمود) بسقوط تكاليف الدين فقط، بل يكون معبودا لأن الله هو المألوه المعبود وبذلك يورط نفسه في أوحال الشرك من حيث لا يشعر.

النقطة الثانية: هي سقوط الصلاة عن خواص العارفين على حد عبارة الملحدين، من يسميهم (محمود) بالعارفين- وهم في الواقع هم الجاهلون- كانوا يتدرجون في هذه المسألة علي النحو التالي: يزعم الواحد منهم، أولا: أنه بلغ مرحلة استطاع أن يستأذن فيها ربه أن يصلى الصلوات بمكة أو بالمدينة فأذن له فجلس في أوقات الصلاة بدعوى أنه يصلى في أحد الحرمين، وإذا ما تأكد أن الناس آمنوا بهذه المرحلة الأولية أعلن بسقوط الصلاة عنه كليا. إلا أن محمودا لجرأته ولظنه أن الجو صاف قابل لكل ما يلقى فيه، صرح بالمرحلة النهائية من أول وهلة بدون تدرج فلا يشك طبعا من في قلبه مسكة من الإيمان ولديه أدنى معرفة أن هذه الطريقة لا صلة لها بهدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم كما يعلم الجميع يصلي بأصحابه في سفره وحضره، صلى بهم بمنى ومزدلفة وعرفة وفيما بين مكة والمدينة ولا يعلم أنه قال ذات يوم لأصحابه. " صلوا أنتم هاهنا. وأنا أصلي بمكة أو المدينة إذا كان خارجهما " وهو سيد ولد آدم. وكان صلى الله عليه وسلم كثير العناية بالصلاة وكانت قرة عينه في الصلاة وكان حكمه صلى الله عليه وآله وسلم على تارك الصلاة بأنه كافر حيث يقول صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر " 1 ويقول أيضا: " إن بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة "2 وما ذلك إلا لأنه قطع صلته. بالسماء لأن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه، ولذا سميت بالصلاة. ولو ذهبنا نسوق الآيات القرآنية التي تدل بمنطوقها: أن الصلاة والخشوع فيها من صفات المؤمنين وتدل بمفهومها أن تاركها غير مؤمن لو فعلنا ذلك لطال بنا المقام ومن تلكم الآيات الكثيرة الآية: 3 من سورة البقرة {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} والآية: 3 من سورة الأنفال {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} والآية: 2 من سورة المؤمنون {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} إلى غير ذلك من الآيات.

وقد اتفق الأئمة الثلاثة مالك، والشافعي، وأحمد: على قتل تارك الصلاة بعد الاستتابة وإنما اختلفوا: هل يقتل حدا أو كفرا ولا يعلم خلاف بين المسلمين خلفهم وسلفهم في أن جاحد وجوبها المدعى سقوطها كافر وخارج عن الملة ومن المؤسف، بل المبكى أن يتظاهر الإنسان اليوم بسقوط الصلاة عنه وعدم وجوبها عليه ثم يتمكن من جمع الناس له في عدة مدن وعدة أندية ليبث أفكاره الإلحادية بدون مقاومة فعالة ممن بأيديهم السلطة والقوة- هداهم الله وأخذ بأيديهم إلى الحق- فإنا لله وإنا إليه راجعون ويحسن بي أن أذكر لكم بهذه المناسبة قصة الجعد بن درهم الذي قتل في عصر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015