قيل: إنه أتى سائل داراً يسأل منها فأشرفت عليه امرأة من الغرفة فقال لها: يا أمة الله الله أن تصدّقي عليّ بشيء! قالت: أي شيء تريد؟ قال: درهماً. قالت: ليس. قال: فدانقاً. قالت: ليس. قال: ففلساً. قالت: ليس. قال: فكسوة. قالت: ليس. قال: فكفاً من دقيق. قالت: ليس. قال: فزيت، حتى عد كل شيء يكون في البيوت وهي تقول: ليس. فقال لها: يا زانية فما يجلسك؟ مرّي تصدّقي معي.

قال الأصمعي: وقفت على سائل بالمربد وهو يقول:

قد رهنت القصاع من شهوة الخبز

فقلت له: أتممه. فقال: أتممه أنت. فقلت: فمن لي بمن يفك القصاعا فقال: اضمم إليه بيتاً. فقلت:

ما رهنت القصاع يا قوم حتى ... خفت والله أن أموت ضياعا

فقال: أنت والله أحوج إلى المسألة وأحق بها مني.

ولأبي فرون الأعرابي السائل:

وصبيةٍ مثل صغار الذرّ ... سود الوجوه كسواد القدر

كلهم ملتزقٌ بصدري ... حتى إذا لاح عمود الفجر

ولاحت الشمس خرجت أسري ... أسبقهم إلى أصول الجدر

ألا فتى يحمل عني إصري ... هذا جميع قصتي وأمري

فاسمع مقالي وتوقّ شري ... فأنت أنت بغيتي وذخري

كنّيت نفسي كنية في شعري ... أنا أبو الفقر وأم الفقر

قال: قال الأصمعي: رأيت سائلاً وقد تعلق بأستار الكعبة من بني تميم وهو يقول:

أيا رب رب الناس والمنّ والهدى ... أما لي في هذا الأنام قسيم

أما تستحي مني وقد قمت عارياً ... أناجيك يا ربي وأنت كريم

أترزق أبناء العلوج وقد عصوا ... وتترك قرماً من قروم تميم

قال: ورأيت رجلاً آخر من الأعراب وقد تعلق بأستار الكعبة وهو يقول:

يا رب إني سائلٌ كما ترى ... مشتملٌ شميلتي كما ترى

وشيختي جالسةٌ فيما ترى ... والبطن مني جائعٌ كما ترى

فما ترى يا ربنا فيما ترى

قال: وأتى سائل من الأعراب إلى بني عبد العزيز بن مروان فقال: أتت علينا سنون لم تبق زرعاً حصيداً ولا مالاً تليداً إلااجتاحته بزوبره وأصله وأنتم أئمة أملي وقصد ثقتي. فلم يعطوه شيئاً، فقال:

بنو عبد العزيز إذا أرادوا ... سماحاً لم يلق بهم السماح

لهم عن كل مكرمةٍ حجابٌ ... فقد تركوا المكارم واستراحوا

قال: ومر سائل منهم برجل يكنّى أبا الغمر ضخم عريض وكان بواباً لبعض الملوك فقال له: أعن المسكين الضعيف الفقير المحتاج. فقال: ما ألحف جائعكم وأكثر سائلكم، أراحنا الله منكم! فقال السائل: اسكت فوالله لو فرّق قوت جسمك في عشرة أجسام منا لكفانا طعامك ليوم شهراً، وإنك لنبيه الضرطة لو ذري بها بيدر لكفته الريح، عظيم السلحة لو ضربت لبناءٍ لكفت سوراً.

قال: وقال أعرابي وهو يسأل: رحم الله من أعطى من فضل وآثر من قلة وواسى من كفاف.

قيل: ودخل رجل منهم على هشام بن عبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين أتتنا سنون ثلاث، فأما الأولى فأذابت الشحم، وأما الثانية فأغضت اللحم، وأما الثالثة فهاضت العظم، وعندك أموال فإن كانت لله جل وعز فبثها في عباد الله، وإن كانت لهم ففيم تحبسها عنهم؟ وإن كانت لك فتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين.

قال: ودخل أزهر السمان على المنصور فشكا إليه الحاجة وسوء الحال، فأمر له بألف درهم وقال: يا أزهر لا تأتنا في حاجة أبداً. قال: أفعل يا أمير المؤمنين. فلما كان بعد قليل عاد فقال له: يا أزهر ما حاجتك؟ قال: جئت لأدعو لأمير المؤمنين. قال: بل أتيتنا لمثل ما أتيت. فأمر له بألف درهم وقال: يا أزهر لا تأتنا ثالثة فلا حاجة لنا في دعائك. قال: نعم، ثم لم يلبث أن عاد، فقال: يا أزهر ما جاء بك؟ قال: دعاء كنت سمعته منك أحب أن آخذه عنك. فقال: لا تردده فإنه غير مستجاب وقد دعوت به الله جل وعز أن يريحني من خلقتك فلم يفعل.

وممن سأل الخلفاء أيضاً ربيعة بن ربيعة، ذكروا أنه دخل على معاوية بن أبي سفيان فقال: يا أمير المؤمنين زوجني بعض بناتك. فقال: قد شغلناهنّ بأكفائهنّ. قال: فولّني شرطة البصرة. قال: قد ولّيتها من كفانا. قال: فهب لي قطيفة. قال: أما هذا فنعم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015