فوالله ما أتممت الكلام حتى انهالت عليّ الدراهم من كل جانب وانصرفت ومعي أكثر من مائة درهم. فوثب إليه الشاب وقبل رأسه وقال: أنت والله معلم الخير فجزاك الله عن إخوانك خيراً.

أصناف المكدين وأفعالهم

منهم المكي وهو الذي يأتيك وعليه سراويل واسع دبيقيّ أو نرسي وفيه تكة أرمنية قد شدّها إلى عنقه فيأتي المسجد فيقول: أنا من مدينة مصر ابن فلان التاجر وجهّني أبي إلى مرو في تجارة ومعي متاع بعشرة آلاف درهم فقطع عليّ الطريق وتركت على هذه الحال ولست أحسن صناعة ولا معي بضاعة وأنا ابن نعمة وقد بقيت ابن حاجة. ومنهم السحري الذي يبكر إلى المساجد من قبل أن يؤذن المؤذن. والشجوي الذي كان يؤثر في يده اليمنى ورجليه حتى يري الناس أنه كان مقيداً مغلولاً ويأخذ بيده تكة فينسجها يوهّمك أنه من الخلديّة وقد حبس في المطبق خمسين سنة. ومنهم الذرارحي الذي يأخذ الذراريح فيشدها في موضع من جسده من أول الليل ويبيت عليه ليلته حتى يتيقظ فيخرج بالغداة عرياناً وقد تنفّط ذلك الموضع وصار فيه القيح الأصفر ويصبّ على ظهره قليل رماد فيوهم الناس أنه محترق. ومنهم الحاجور وهو الذي يأخذ الحلقوم مع الرئة فيدخل الحلقوم في دبره ويشرّح الرئة على فخذه تشريحاً رقيقاً ويذرّ عليه دم الأخوين. ومنهم الخاقاني الذي يحتال في وجهه حتى يجعله مثل وجه خاقان ملك الترك ويسوده بالصبر والمداد ويوهّمك أنه ورم. ومنهم السّكوت الذي يوهمك أنه لا يحسن أن يتكلم. ومنهم الكان وهو الذي يواضع القاص من أول الليل على أنه يعطيه النصف أو الثلث فيتركه حتى إذا فرغ من الأخذ لنفسه اندفع هو فتكلم.

ومنهم المفلفل، الرفيقان يترافقان فإذا دخلا مدينة قصدا أنبل مسجد فيها فيقوم أحدهما في أول الصف فإذا سلم الإمام صاح الذي في آخر الصف بالذي في أول الصف: يا فلان قل لهم. فيقول الآخر: قل لهم أنت أنا أيش. فيقول: قل ويحك ولا تستح. فلا يزالان كذلك وقد علّقا قلوب الناس ينتظرون ما يكون منهما، فإذا علما أنهما قد علقا القلوب تكلما بحوائجهما وقالا: نحن شريكان وكان معنا أحمال بزّ كنا حملناها من فسطاط مصر نريد العراق فقطع علينا وقد بقينا على هذه الحال لا نحسن أن نسأل وليست هذه صناعتنا. فيوهمان الناس أنهما قد ماتا من الحياء.

ومنهم زكيم الحبشة الذي يأتيك وعليه درّاعة صوف مضرّبة مشقوقة من خلف وقدّام وعليه خفّ ثغري بلا سراويل يتشبه بالغزاة. ومنهم زكيم المرحومة المكافيف يجتمعون خمسة وستة وأقل وأكثر وقائدهم يبصر أدنى شيء عينه مثل الخفاش يقال له الاسطيل فهو يدعو وهم يؤمنون. ومنهم الكاغانيّ الذي يتجنن أو يتصارع ويزبد حتى لا يشك أحد في جنونه وأنه لا دواء له لشدة ما ينزل به. ومنهم القرسيّ وهو الذي يعصب ساقيه أو ذراعيه عصباً شديداً ويبيت على ذلك ليلة فإذا تورم واحتقن فيه الدم مسحه بشيء من صابون ودم الأخوين وقطر عليه من سمن البقر وأطبق عليه خرقة ثم كشف بعضه فلا يشك من رآه أنه آكلة نعوذ بالله منها. ومنهم المشعب الذي يحتال للصبي حين يولد بأن يزمنه أو يعميه ليسأل به الناس، وربما جاءت أمه أو يجيء أبوه فيتولى ذلك فإما أن يكسبا به أو يكرباه فإن كان عندهما ثقة وإلا أقام بالأولاد والأجرة كفيلاً. ومنهم الفيلور وهو الذي يحتال لخصيتيه حتى يريك أنه آدرٌ وربما أراك أن بهما شرطاً أو جرحاً، وربما أراك ذلك في دبره، وتفعل المرأة ذلك بفرجها. ومنهم الكاخان الغلام المكدي إذا واجر وعليه مسحةٌ من جمال وعمل العملين جميعاً. والعواء الذي يسأل بين المغرب والعشاء ويطرّب في صوته. ومنهم الاسطيل وهو المتعامي الذي إن شاء أراك أنه أعمى وإن شاء أراك أنه ممن نزل في عينه الماء وإن شاء أراك أنه لا يبصر. ومنهم المزيديّ وهو الذي يدور ومعه دريهمات يقول: هذه دريهمات قد جمعت لي في ثمن قطيفة فزيدوني فيها ورحمكم الله. ومنهم المستعرض الذي يعارضك وهو ذو هيأة في ثياب صالحة يريك أنه يستحيي من المسألة ويخاف أن يراه معرفة فيعرض لك اعتراضاً ويكلمك خفتاً. ومنهم المطيّن وهو الذي يطيّن نفسه من قرنه إلى قدمه ويأخذ البلاذر يريك أنه يأكل البلاذر.

ومن نوادرهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015