الكليات (صفحة 194)

ليأتيني بسُلْطَان مُبين} وَهَكَذَا اسْتِعْمَال الفصحاء وَالْعرْف لِأَنَّهُ امكن فِي الْآيَة جعلهَا بِمَعْنى (حَتَّى) وَتعذر هُنَاكَ فَجعلت للتَّخْيِير، وَكَذَا تجْعَل بِمَعْنى الْغَايَة فِيمَا إِذا دخلت بَين نفي وإثباتين، كَمَا إِذا قَالَ: (وَالله لَا أَدخل هَذِه الدَّار أَو أَدخل هَذِه الْأُخْرَى أَو أَدخل هَذِه الْأُخْرَى) فَاقْتضى الْخُصُوص فِي الْإِثْبَات وَيجْعَل الْمُثبت فِي حكم الْغَايَة للنَّفْي، فَإِذا دخل الأولى قبل أَن يدْخل إِحْدَى الْأُخْرَيَيْنِ حنث، وَإِن دخل بعده بر لانْتِهَاء الْحَظْر بِوُجُود الْغَايَة

ثمَّ اعْلَم أَن كلمة (أَو) على مَا بَين فِي الْكتب تَجِيء لسِتَّة معَان: أَحدهَا: التَّسْوِيَة ن فَإِن الْمخبر إِذا جزم بتعلق الحكم بكلا الشَّيْئَيْنِ بطرِيق اسْتِقْلَال كل مِنْهُمَا فِي الثُّبُوت لَهُ مَعَ تساويهما فِي جنس الثُّبُوت ف (أَو) هَذِه للتسوية، وَكَونهَا للإضراب ك (بل) قد أجَازه سِيبَوَيْهٍ بِشَرْطَيْنِ: تقدم نفي أَو نهي، وإعادة عَامل، فَهَذَا الْمَعْنى رَاجع إِلَى معنى التَّسْوِيَة فِي النَّفْي، لِأَن الْجُمْلَة المنفية إِذا ذكرت بعد جملَة أُخْرَى مثلهَا وَحكم بتساويهما يتَوَلَّد مِنْهُ معنى الإضراب أَيْضا، وَكَذَا كَونهَا شَرْطِيَّة نَحْو: (لأضربنه عَاشَ أَو مَاتَ) أَي: إِن عَاشَ بعد الضَّرْب وَإِن مَاتَ، فَإِنَّهُ رَاجع أَيْضا إِلَى معنى التَّسْوِيَة، لِأَن التَّسْوِيَة بَين أَمريْن يَتَرَتَّب عَلَيْهِمَا الْإِتْيَان يُفِيد معنى الشّرطِيَّة

وَالثَّانِي: لنفي الشُّمُول، فَإِن الْمخبر إِذا شكّ فِي تعلق الحكم بِكُل من الشَّيْئَيْنِ على التَّعْيِين مَعَ جزمه بِأَصْل الثُّبُوت فَلَا يَسعهُ إِلَّا الْإِخْبَار عَن تعلقه بِوَاحِد مِنْهُمَا لَا على التَّعْيِين؛ ف (أَو) هَذِه لنفي الشُّمُول، وَكَونهَا للتقريب نَحْو: (لَا أَدْرِي أسلم أَو ودع) رَاجع إِلَى معنى نفي شُمُول الْعَدَم، وَلما اسلتزم هَذِه الشَّك لزم مِنْهُ معنى التَّقْرِيب، لِأَن اشْتِبَاه السَّلَام بالوداع لَا يكون إِلَّا من قربهما

وَالثَّالِث: للتشكيك فَإِن الْمُخَاطب إِذا حزم بتعلق الحكم بِوَاحِد من الشَّيْئَيْنِ على التَّعْيِين يُورد الْمخبر كلمة أَو تشكيكا للمخاطب إِمَّا لرد خطئه إِلَى الشَّك إِن أَخطَأ، وَهَذَا جَائِز، وَإِمَّا لرد إِصَابَته إِلَى الشَّك إِن أصَاب، وَهَذَا غير جَائِز ف (أَو) هَذِه تسمى تشكيكية

وَالرَّابِع: للإبهام: فَإِن الْمُخَاطب إِن كَانَ خَالِي الذِّهْن يُورد الْمخبر كلمة (أَو) إبهاما لِلْأَمْرِ عَلَيْهِ صونا عَن الْخَطَأ، وَهَذَا جَائِز، أَو عَن الْإِصَابَة، وَهَذَا غير جَائِز، ف (أَو) هَذِه تسمى إبهامية أَو يُورد إِظْهَار النصفة بَينه وَبَين الْمُخَاطب مثل: (أَنا أَو أَنْت رجل عَالم)

هَذَا كُله إِذا وَردت كلمة (أَو) فِي الْخَبَر، وَأما إِذا وَردت فِي الْإِنْشَاء فلهَا مَعْنيانِ: التَّخْيِير، كَمَا إِذا قَالَ لَك الْأَمِير: (أطلق هَذَا الْأَسير أَو استعبده) وَالْإِبَاحَة، كَمَا إِذا قَالَ صديقك: (خُذ من مَالِي درهما أَو دِينَارا)

فَفِي التَّخْيِير يتَحَقَّق نفي شُمُول الْوُجُود والعدم مَعًا، وَفِي الْإِبَاحَة يتَحَقَّق نفي شُمُول الْعَدَم دون الْوُجُود

ثمَّ إِن كلمة (أَو) لمُطلق الْجمع كالواو وَذَلِكَ من لَوَازِم التَّقْسِيم، مثلا إِذا قلت: (الْكَلِمَة اسْم أَو فعل أَو حرف) بِاعْتِبَار أَنْوَاع متباينة، يجوز لَك جمعهَا فِي جنس الْكَلِمَة بِدُونِ اعْتِبَار توَسط تِلْكَ الْأَنْوَاع

وَكَذَا كَونهَا بِمَعْنى (إِلَّا) للاستثناء رَاجع إِلَى معنى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015