الكليات (صفحة 193)

مُوجبه إِثْبَات أحد الْأَمريْنِ

ثمَّ القَوْل بِأَنَّهَا تخص فِي الْإِثْبَات ينْتَقض بِالْإِبَاحَةِ، لِأَنَّهَا إِثْبَات، و (أَو) فِيهَا تفِيد الْعُمُوم كَقَوْلِهِم: (جَالس الْفُقَهَاء أَو الْمُحدثين) وَكَقَوْلِه تَعَالَى: {إِلَّا مَا حملت ظهورهما أَو الحوايا أَو مَا اخْتَلَط بِعظم} وَالِاسْتِثْنَاء من التَّحْرِيم إِبَاحَة فَتثبت فِي جَمِيع هَذِه الْأَشْيَاء

وَإِذا وَقعت بَين نفي وَإِثْبَات ينظر إِلَى الْمَذْكُور آخرا، فَإِن صلح غَايَة للْأولِ حمل على غَايَة لما بَين الْغَايَة والتخيير من الْمُنَاسبَة، و (أَو) تسْتَعْمل فِي الْغَايَة بِمَعْنى (حَتَّى) نَحْو: {تقاتلونهم أَو يسلمُونَ} {لأذبحنه أَو ليأتيني بسُلْطَان مُبين} وَإِن لم يصلح للغاية كَانَت للتَّخْيِير عملا بِالْحَقِيقَةِ عِنْد عدم الْمَانِع، وَإِذا دخلت بَين المستثنيات كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {قل لَا أجد فِيمَا أُوحِي إِلَيّ} إِلَى آخِره، وَقَوله: {وَلَا يبدين زنينتهن} إِلَى آخِره

وَكَذَا بَين نفيين كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تُطِع مِنْهُم آثِما أَو كفورا} فَإِن (أَو) فِيهَا بِمَعْنى (وَلَا)

وَكَذَا بَين إباحتين كَمَا فِي (جَالس الْحسن أَو ابْن سِيرِين}

فَفِي هَذِه الصُّور أفادت الْجمع كالواو، وَالِاسْتِثْنَاء فِي الْحَقِيقَة من التَّحْرِيم إِبَاحَة، كَمَا عرفت آنِفا، فَتثبت فِي جَمِيع مَا عَداهَا

وَهَذَا لَيْسَ بِاعْتِبَار أصل الْوَضع، بل بِاعْتِبَار الِاسْتِعَارَة، فَإِنَّهَا تستعار لعُمُوم الْأَفْرَاد فِي مَوضِع النَّفْي بِاعْتِبَار أَنَّهَا إِذا تناولت أَحدهَا غير عين صَار ذَلِك المتناول نكرَة فِي مَوضِع النَّفْي فتعم

وتستعار أَيْضا لعُمُوم الِاجْتِمَاع فِي مَوضِع الْإِبَاحَة بِقَرِينَة طارئة على الْوَضع، وَهِي أَن الْمُسْتَفَاد من الْإِبَاحَة رفع الْقَيْد فَيثبت الْإِطْلَاق على الْعُمُوم

وَالْحَاصِل أَن الْعُمُوم بنوعية طارئة عَلَيْهِ، وَتَنَاول أحد الْمَذْكُورين بِالْوَضْعِ لقَوْله تَعَالَى: {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم}

فَفِيمَا إِذا قَالَ: (لَا أَدخل هَذِه الدَّار أَو لَا أَدخل هَذِه) فَأَيّهمَا دخل حنث، لما أَن دُخُول (أَو) بَين نفيين يَقْتَضِي انتفاءهما وَفِي (لأدخلن هَذِه الدَّار الْيَوْم أَو هَذِه الدَّار الْأُخْرَى) بر بِدُخُول وَاحِدَة مِنْهُمَا، لما أَن دُخُول (أَو) بَين إثباتين يَقْتَضِي ثُبُوت أَحدهمَا

وَأما إِذا دخل بَين نفي وَإِثْبَات ك (لَا أَدخل هَذِه الدَّار أبدا أَو لأدخلن هَذِه الْأُخْرَى الْيَوْم) بر بِدُخُول الثَّانِيَة فِي الْيَوْم، وَحنث بفوت الدُّخُول أصلا، أَو دُخُول الأولى، لِأَنَّهُ ادخل كلمة (أَو) بَين نفي مؤبد وَإِثْبَات مُؤَقّت، والمؤقت لَا يصلح غَايَة للمؤيد، فأفادت مُوجبهَا الْأَصْلِيّ وَهُوَ التَّخْيِير فِي الْتِزَام أَي الشَّرْطَيْنِ شَاءَ، وَإِنَّمَا جعلت هَهُنَا للتَّخْيِير مَعَ أَن الأَصْل أَن (أَو) إِذا دخلت بَين نفي وَإِثْبَات تجْعَل بِمَعْنى (حَتَّى) كَقَوْلِه تَعَالَى: {تقاتلونهم أَو يسلمُونَ} (لأذبحنه أَو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015