فإذا كانَ الله سبحانه وتعالى قدْ نَزَّهَ نفسهُ عمَّا تقدَّمَ منَ العيوبِ والنَّقائصِ، فلأي شيءٍ إذًا لمْ ينزِّه نفسهُ عنْ تلكَ المقالةِ - وهي كونهُ تعالى فوقَ عرشهِ - إذا كانتْ متضمنةً لمعنًى فاسدٍ لا يجوزُ اعتقادهُ في حقِّ الله تعالى، مَعَ شهرةِ هذهِ المقالةِ، وتفاقمِ أمْرِهَا، فكانتْ هي أحقَّ منْ هذا كلِّهِ للتنبيهِ على فسادهَا والتحذيرِ منهَا. فكيفَ والأمرُ بالعكسِ فهوَ دائمًا يبدي ويعيدُ في ذكرِ علوِّهِ وفوقيَّتهِ ويقرِّرُ ذلكَ بكلِّ دليلٍ وبرهانٍ، بأوجزِ العباراتِ وأدلِّهَا وأبسطهَا وأقطعهَا للعذرِ وألزمهَا للحجَّةِ.

فلو فرضَ أنَّ النُّصوصَ خاليةٌ منْ تقريرِ العلوِّ والاستواءِ على العرشِ لكانَ تركهُ تنزيهه عَنِ العلوِّ أكبرَ دليلٍ على تقريرِ ذلكَ، ورضاهُ بهِ والعِلم بأنَّهُ غيرُ منافٍ لكمالهِ، فكيفَ وهوَ معَ ذَلِكَ والأدلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ كلُّها على خلافِ قولِ «الجهميَّةِ» (?).

قالَ ابنُ القيِّمِ رحمه الله: «إنَّهُ عندَ المعطِّلةِ النُّفاةِ كونُ الله سبحانهُ فوقَ العالمِ مستوٍ على عرشهِ بمنزلةِ كونهِ يأكلُ ويشربُ وينامُ، بلْ هوَ بمنزلةِ إثباتِ الزوجةِ والولدِ لهُ في كونِ هذا منافيًا لإلهيتهِ وربوبيتهِ وقدمهِ وكون علوِّهِ على خلقهِ واستوائهِ على عرشهِ منافيًا لذلكَ. وهذا منْ أعظمِ القدحِ في العقولِ والفطرِ والشرائعِ والنبواتِ والكتبِ المنزلةِ، فإنَّها فرَّقتْ بيَن الأمرينِ تفرقةً معلومةً بالاضطرارِ، لكلِّ منْ لهُ أدنى مسكةٍ منْ عقلٍ. فمنْ سوَّى بينَ الأمرينِ، وجعلَ تنزيهَ الرَّبِّ عنهَا منْ لوازمِ الإقرارِ بهِ فليبكِ على عقلهِ وإيمانهِ» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015