والتكسب بصناعة أو معاونة من ينفق عليه، فهو مستحب له لقول الله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] ولأنه التزام للطاعة من غير مضرة لأحد فاستحب كقيام الليل.

فصل:

والاستطاعة في حق البعيد: القدرة والزاد والراحلة؛ لما روى ابن عمر قال: «جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال: الزاد والراحلة» . قال الترمذي: هذا حديث حسن، ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فاشترط لوجوبها الزاد والراحلة كالجهاد.

والزاد: هو ما يحتاج إليه من مأكول ومشروب وكسوة في ذهابه ورجوعه.

فإن وجد ذلك لذهابه دون رجوعه لم يلزمه الحج؛ لأن عليه في غربته ضرراً ومشقة وغيبة عن أهله ومعاشه.

وإن وجد ما يكفيه لذهابه ورجوعه بثمن مثله في الغلاء والرخص، أو بزيادة لا تجحف بماله لزمه، وتعتبر القدرة على الماء وعلف البهائم في منازل الطريق على ما جرت به العادة، ولا يكلف حمل ذلك من بلده لما فيه من المشقة التي لا يمكن تحملها، ويعتبر قدرته على أوعية الزاد والماء؛ لأنه لا يستغنى عنها. ويشترط وجدان راحلة تصلح لمثله بشراء أو كراء، وما يحتاج إليه من آلتها الصالحة لمثله في محمل أو زاملة أو قتب على ما جرت به عادة مثله، وما لا يتخوف الوقوع منه، ويكون ذلك فاضلاً عما يحتاج إليه لقضاء دين حال ومؤجل، ونفقة عياله إلى أن يعود، وما يحتاجون إليه من مسكن وخدم؛ لأن هذا واجب عليه يتعلق به حق آدمي، فكان أولى بالتقديم كنفقة نفسه.

وإن احتاج إلى النكاح لخوف العنت، قدم؛ لأنه واجب لدفع الضرر عن نفسه فأشبه النفقة، وإن لم يخف وجب الحج؛ لأنه تطوع فلا يسقط به الحج الواجب، ومن له عقار يحتاج إليه للسكنى أو إلى أجرته لنفقته أو نفقة عياله أو بضاعة يختل ربحها المحتاج إليه لذلك، أو آلات لصناعته المحتاج إليها، أو كتب من العلم يحتاج إليها؛ لم يلزمه صرفه في الحج؛ لأنه لا يستغنى عنه، أشبه النفقة، ومن كان من ذلك فاضلاً عن حاجته كمن له بكتاب نسختان أو له دار فاضلة أو مسكن واسع يكفيه بعضه، فعليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015