العثمانية يومذاك اتفاقًا مع الأمراء المحليين تعهد به هؤلاء بحراسة الحدود الفارسية مقابل الاعتراف لهم بمركزهم الوراثي. فانتظموا في نظام الولايات وفي نظام «إقطاعية» الملاكين، كما انتظم أمراء لبنان وفلسطين في الترتيب الهرمي للملتزمين الذي نشأ فيما بعد، واعتبروا جباة للضرائب في أقضيتهم مع حق ضمني لهم في الحكم.

لم تعترف الحكومة العثمانية، ولا أي دولة إسلامية، بالتفرقة العنصرية، بعد تلاشي التمييز الأول بين العرب وبين معتنقي الإسلام من غير العرب، وقبل نشوء القومية الحديثة. إلا أنه كان هناك بعض التمييز في وظائف اللغات، وإلى حد ما بين الفئات اللغوية: فقد كانت اللغة التركية لغة الحكومة والجيش، واللغة العربية لغة الدراسة والشريعة، واللغة الفارسية لغة الآداب. وكان دور العرب الخاص معترفًا به حقًا إلى حد ما. فكان الأشراف المتحدرون من سلالة النبي يشكلون هيئة مستقلة تتمتع بامتيازات مالية وشرعية، وكانوا منتظمين في كل ولاية تحت قيادة النقيب، وكان نقيب القسطنطينية يعتبر من أكابر الإمبراطورية.

حيثما حل الإسلام حل معه الشعور بدور العرب الخاص في التاريخ. فالنبي كان عربيًا، والقرآن نزل باللغة العربية، والبدو الأعراب كانوا «مادة الإسلام»، أي وسائله البشرية لفتح العالم. وقد استمر وعي العرب «القومي» هذا، لا بل ازداد، بفضل العناية التي كان السلاطين العثمانيون يحيطون بها المدارس السنية والشرع.

لكن هذا الوعي لم يتجل في النزعة نحو وجود سياسي منفصل، بل ظهر في الاعتزاز باللغة والثقافة والأجداد وفي الشعور بالمسؤولية نحو الإسلام. وعلى هذا الشكل تزعمه ونطق باسمه العلماء المحليون، وبوجه أعم، العائلات الكبرى في مدن الولايات، تلك العائلات التي صانت تقاليد الدراسة الدينية، واللغة العربية وعلومها، وذكريات ما قام به العرب في سبيل الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015